إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{ذَٰلِكَ بِأَنَّهُۥ كَانَت تَّأۡتِيهِمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَقَالُوٓاْ أَبَشَرٞ يَهۡدُونَنَا فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْۖ وَّٱسۡتَغۡنَى ٱللَّهُۚ وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٞ} (6)

{ ذلك } أي ما ذُكِرَ من العذابِ الذي ذاقُوه في الدُّنيا وما سيذوقونَهُ في الآخرةِ { بِأَنَّهُ } بسببِ أن الشأنَ { كَانَت تأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بالبينات } أي بالمعجزاتِ الظاهرةِ { فَقَالُوا } عطفٌ على كانتْ { أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا } أي قالَ كلُّ قومٍ من المذكورينَ في حقِّ رسولِهِم الذي أتاهُم بالمعجزاتِ منكرينَ لكونِ الرسولِ من جنسِ البشرِ متعجبينَ من ذلكَ أبشرٌ يهدينَا كما قالتْ ثمودُ { أَبَشَراً منَّا واحدا نتَّبِعُهُ } [ سورة القمر ، الآية 24 ] وقد أُجملَ في الحكايةِ فأُسنِدَ القولُ إلى جميعِ الأقوامِ وأُريدَ بالبشرِ الجنسُ فوصفَ بالجمعِ كما أُجملَ الخطابُ والأمرُ في قولِهِ تعالَى : { يا أيها الرسل كُلُوا مِنَ الطيبات واعملوا صالحا } [ سورة المؤمنون ، الآية 51 ] { فَكَفَرُوا } أي بالرسلِ { وَتَوَلَّوا } عن التدبرِ فيما أتَوا بهِ من البيناتِ وعن الإيمانِ بهم { واستغنى الله } أي أظهرَ استغناءَهُ عن إيمانِهِم وطاعَتِهِم حيثُ أهلكهُم وقطعَ دابرَهُم ، ولولا غناهُ تعالَى عنهُما لما فعلَ ذلكَ { والله غَنِيٌّ } عنِ العالمينَ فضلاً عن إيمانِهِم وطاعَتِهِم { حَمِيدٌ } يحمَدُهُ كلُّ مخلوقٍ بلسانِ الحالِ ، أو مستحقٌ للحمدِ بذاتِهِ وإنْ لم يحمَدهُ حامدٌ .