محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{ذَٰلِكَ بِأَنَّهُۥ كَانَت تَّأۡتِيهِمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَقَالُوٓاْ أَبَشَرٞ يَهۡدُونَنَا فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْۖ وَّٱسۡتَغۡنَى ٱللَّهُۚ وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٞ} (6)

عذاب أليم ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا } أي ذلك المذكور من ذوقهم وبال أمرهم في الدنيا وما أعد لهم من عذاب الأخرى ، بسبب أنه أتتهم رسلهم بالواضحات من الأدلة والأعلام ، على حقيقة ما يدعونهم إليه فنبذوها واتبعوا أهوائهم واستهزؤوا برسلهم وقالوا أبشر يهدوننا ؟

قال ابن جرير {[7121]} استكبارا منهم أن تكون رسل الله إليهم بشرا مثلهم واستكبارا عن اتباع الحق من أجل أن بشرا مثلهم دعاهم إليه وجمع الخبر عن البشر فقيل { يهدوننا } ولم يقل ( يهدينا ) ، لأن ( البشر ) وإن كان في لفظ الواحد فإنه بمعنى الجميع انتهى .

وقال القاشاني لما حجبوا بصفات نفوسهم عن النور الذي هو به يفضل عليهم بما لا يقاس ولم يجدوا منه إلا البشرية أنكروا هدايته فإن كل عارف لا يعرف معروفه إلا بالمعنى الذي فيه فلا يوجد النور الكمالي إلا بالنور الفطري ولا يعرف الكمال إلا الكامل ولهذا قيل لا يعرف الله إلا الله وكل طالب وجد مطلوبه بوجه ما دالا لما أمكن به التوجه نحوه ، وكذا كل مصدق بشيء فإنه واحد للمعنى المصدق به بما في نفسه من ذلك المعنى فلما لم يكن فيهم شيء من النور الفطري أصلا ، لم يعرفوا منه الكمال فأنكروه ولم يعرفوا من الحق شيئا فيحدث فيهم طلب فيحتاجوا إلى الهداية فأنكروا الهداية .

{ فكفروا } أي الحق والدين والرسول { وتولوا } أي عن التدبر في الآيت البينات { واستغنى الله } أي أظهر استغناءه ، عن إيمانهم وطاعتهم حيث أهلكهم وقطع دابرهم ولولا غناه تعالى عنهم لما فعل ذلك ف { استغنى } معطوف على ما قبله وجوز جعله حالا بتقدير ( قد ) أي وقد استغنى بكماله عرفوا أو لم يعرفوا .

{ والله غني } أي بذاته عن العالمين فضلا عن إيمانهم لا يتوقف كمال من كمالاته عليهم ولا على معرفتهم له { حميد } أي يحمده كل مخلوق أو مستحق للحمد بنفسه وإن لم يحمده حامد .


[7121]:انظر الصفحة رقم 121 من الجزء الثامن والعشرين (طبعة الحلبي الثانية).