فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{ذَٰلِكَ بِأَنَّهُۥ كَانَت تَّأۡتِيهِمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَقَالُوٓاْ أَبَشَرٞ يَهۡدُونَنَا فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْۖ وَّٱسۡتَغۡنَى ٱللَّهُۚ وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٞ} (6)

{ ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غني حميد ( 6 ) } .

ذلك الجزاء الذي ينالونه دنيا وآخرة بسبب إعراضهم عن سبيل الله ، وكفرهم برسالاته ، وتكذيبهم رسله ، وجحودهم أن يبعث الله بشرا رسولا ، مع ما جاءت به الرسل من آيات ربنا ومعجزاته الواضحات الشاهدات بصدق المرسلين- أعم من أن تكون آيات متلوة ، أو علامات في الآفاق وفي أنفسهم مرئية وحسية تشهد بأن ما يدعون إليه صلوات الله عليهم هو الحق- وربنا غني لن يضره إعراض الكافرين ، ولن ينفعه انقياد الطائعين ، فهو المحمود بلسان الحال مهما قل الحامدون بلسان المقال .

وقديما سارع رؤساء الكفر من قوم نوح إلى تكذيبه بالحجة الداحضة وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق { فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنزل ملائكة . . }{[7034]} ، ومن بعدهم قال رؤساء الضلال لقومهم ما حكاه القرآن عن قيلهم : { ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون }{[7035]} . ثم قال الملأ من قوم فرعون صدا عما جاء به موسى وهارون : { أنؤمن لبشرين مثلنا . . }{[7036]} . وقال كفار مكة- يشككون في صدق النبي الخاتم : { وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك . . }{[7037]} ؛ فأقام الله تعالى حجته وبين سنته- تبارك اسمه- : { وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق . . }{[7038]} . وما يجحد بصدق الرسل إلا كل ختال كفور .

[ وارتفع { أبشر } على الابتداء . وقيل بإضمار فعل ، والجمع على معنى بشر ، ولهذا قال : { يهدوننا } ولم يقل يهدينا . وقد يأتي الواحد بمعنى الجمع فيكون اسما للجنس ، وواحده إنسان لا واحد له من لفظه . . { فكفروا } أي بهذا القول . وقيل : كفروا بالرسل وتولوا عن البرهان ، وأعرضوا عن الإيمان والموعظة . { واستغنى الله } أي بسلطانه عن طاعة عباده ، قاله مقاتل . وقيل : استغنى الله بما أظهره لهم من البرهان وأوضحه لهم من البيان ، عن زيادة تدعو إلى الرشد وتقود إلى الهداية ]{[7039]} .


[7034]:- سورة المؤمنون. من الآية 24.
[7035]:- سورة المؤمنون. الآية 34.
[7036]:- سورة المؤمنون. من الآية 47.
[7037]:- سورة المؤمنون. من الآية 47.
[7038]:- سورة الفرقان. من الآية 7.
[7039]:ما بين العارضتين مما أورده القرطبي.