اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ذَٰلِكَ بِأَنَّهُۥ كَانَت تَّأۡتِيهِمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَقَالُوٓاْ أَبَشَرٞ يَهۡدُونَنَا فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْۖ وَّٱسۡتَغۡنَى ٱللَّهُۚ وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٞ} (6)

قوله : { ذَلِكَ بِأَنَّهُ }

الهاء للشأن والحديث ، و { كَانَت تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُم } : خبرها ، ومعنى الإشارة أي : هذا العذاب لهم بكفرهم بالرسل تأتيهم بالبينات ، أي : بالدلائل الواضحة{[56866]} .

قوله : { أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا } .

يجوز أن يرتفع «بشر » على الفاعلية ، ويكون من الاشتغال ، وهو الأرجح ، لأن الأداة تطلب الفعل ، وأن يكون مبتدأ وخبراً .

وجمع الضمير في «يَهْدُونَنَا » إذ البشر اسم جنس{[56867]} .

أنكروا أن يكون الرسول من البشر .

وقد يأتي الواحد بمعنى الجمع ، فيكون اسماً للجنس ، وقد يأتي الجمع بمعنى الواحد كقوله تعالى : { مَا هذا بَشَراً }[ يوسف : 31 ] .

قوله : «فَكَفَرُوا » أي : بهذا القول إذ قالوه استصغاراً ، ولم يعلموا أن الله يبعث من يشاء إلى عباده{[56868]} .

فصل

فإن قيل : قوله «فَكَفَرُوا » يفهم منه التولي ، فما الحاجة إلى ذكره ؟ فالجواب : قال ابن الخطيب{[56869]} : إنهم كفروا وقالوا : { أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا } وهذا في معنى الإنكار والإعراض بالكلية ، وهذا هو التولي ، فكأنهم كفروا وقالوا قولاً يدلّ على التولي ، فلهذا قال : { فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْ } .

وقيل{[56870]} : كفروا بالرسل وتولوا عن البرهان وأعرضوا عن الإيمان والموعظة .

قوله : { واستغنى الله } استغنى بمعنى المجرد .

وقال الزمخشري{[56871]} : «ظَهَر غناه » ، فالسين ليست للطلب .

قال مقاتل : استغنى الله ، أي : بسلطانه عن طاعة عباده{[56872]} .

وقيل{[56873]} : استغنى الله ، أي : بما أظهره لهم من البرهان ، وأوضحه لهم من البيان عن زيادة تدعو إلى الرشد ، وتعود إلى الهداية { والله غَنِيٌّ حَمِيدٌ } غنيٌّ عن خلقه حميد في أفعاله .

فإن قيل : قوله : { وَتَوَلَّواْ واستغنى الله } يوهم وجود التولّى والاستغناء معاً ، والله تعالى لم يزل غنيًّا ؟ .

فأجاب الزمخشري{[56874]} : بأن معناه أنه ظهر استغناء الله حيث لم يلجئهم إلى الإيمان ولم يضطرهم إليه مع قدرته على ذلك .


[56866]:السابق.
[56867]:ينظر: الدر المصون 6/325.
[56868]:ينظر: القرطبي 18/89.
[56869]:التفسير الكبير 30/22.
[56870]:الجامع لأحكام القرآن 18/89.
[56871]:الكشاف 4/547.
[56872]:ذكره الماوردي (6/21) والقرطبي (18/89).
[56873]:القرطبي 18/89.
[56874]:الكشاف 4/547.