فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ذَٰلِكَ بِأَنَّهُۥ كَانَت تَّأۡتِيهِمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَقَالُوٓاْ أَبَشَرٞ يَهۡدُونَنَا فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْۖ وَّٱسۡتَغۡنَى ٱللَّهُۚ وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٞ} (6)

{ ذلك } أي ما ذكر من العذاب في الدارين وهو مبتدأ وخبره { بأنه } أي بسبب أنها { كانت تأتيهم رسلهم } أي الرسل المرسلة إليهم { بالبينات } أي بالحجج الباهرة والمعجزات الظاهرة { فقالوا : أبشر يهدوننا } أي قال قوم منهم لرسولهم هذا القول ، منكرين أن يكون الرسول من جنس البشر ، متعجبين من ذلك ، كما قالت ثمود : { أبشرا منا واحدا نتبعه } ، ومن غباوتهم أنهم أنكروا أن يكون الرسول بشرا وسلموا واعتقدوا أن الإله يكون حجرا ، وأراد بالبشر الجنس ولهذا قال : يهدوننا وقد أجمل في الحكاية فأسند القول إلى جميع الأقوام كما أجمل الخطاب والأمر في قوله : { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا }

{ فكفروا } بالرسل وبما جاؤوا به وقيل : كفروا بسبب هذا الأول الذي قالوه للرسل ، فالفاء للسببية لا للتعقيب { وتولوا } أي اعرضوا عنهم ، ولم يتدبروا فيما جاؤوا به { واستغنى الله } أي أظهر غناه عن إيمانهم وعبادتهم حيث لم يلجئهم ولم يضطرهم إليه مع قدرته على ذلك ، وقال مقاتل : استغنى الله بما أظهره لهم من البرهان ، وأوضحه من المعجزات ، وقيل : استغنى بسلطانه عن طاعة عباده ، وقال الزمخشري : أي ظهر غناه فالسين ليست للطلب { والله غني حميد } أي غير محتاج إلى العالم ولا إلى عبادتهم له ، محمود من كل مخلوقاته بلسان المقال والحال .