الآية 6 وقوله تعالى : { ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا } فكأنه يريد بقوله : { ذلك } أي تلك العقوبات التي نزلت بالأمم الماضية إنما كان سببها أن رسلهم { كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا } وكان قولهم : { أبشر يهدوننا } تلقين إبليس حين{[21332]} لقنهم مخالفة الرسول وتكذيبه ، وأنكم لو احتجتم إلى طاعته ففيكم من هو أعظم ففيكم من هو أعظم منه درجة وأكبر منزلة .
فإذا لم تطيعوه ، فكيف تطيعون بشرا مثلكم ؟ وهذا كله عناد وخطأ ؛ وذلك أنهم قد كانوا يعبدون الأصنام تقليدا منهم البشر .
ألا ترى إلى قوله : { إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون } ؟ [ الزخرف : 23 ]
ومعلوم أن جعل الصنم{[21333]} معبودا بقوله : { أبشر } تقليدا له أكبر وأعظم من تصديق البشر أنه رسول من عند الله عند قيام الدليل المعجز .
فإذا استجازوا تقليد البشر في ذلك ، فكيف لا استجازوا تصديق الرسول في ما يدعوهم إلى ترشيد الله وطاعته في ما يرجع إليهم من المنافع والمضار ؟ ولكنهم كانوا قوما سفهاء ، فاتبعوا سفههم وعنادهم ، والله أعلم .
وكذلك قولهم : { إن هذا إلا سحر مبين } [ المائدة : 110و . . . ] وكيف يكون سحرا ، وقد آتاهم بآيات أعجزتهم ، وأعجزت السحرة أن يأتوا بمثلها ؟ ولكنهم عاندوا ، فلم يجدوا حيلة سوى أن قالوا : { إن هذا إلا سحر مبين } .
وقوله تعالى : { فكفروا/ 572- ب/ وتولوا } أي كفروا بالرسل { وتولوا } أعرضوا عن طاعة رسوله .
وقوله تعالى : { واستغنى الله } لم يسمع من أحد من المتكلمين ، يقول : { واستغنى الله } على الابتداء إلا ما ذكر في ظاهر هذه الآية .
والقول في الاستغناء في ما يريد به الإخبار جائز نحو قولك : الله مستغن ، فأما أن تبتدئ ، فتقول : استغنى الله في ما فيه شك وريب فإنه{[21334]} لا يجوز البداية به .
وقد غلط بعض المفسرين حين{[21335]} قالوا : استغنى الله بطاعة من أطاعه عن معصية من عصاه ، لأن الله تعالى لم يمتحن عباده بالطاعة والمعصية لمنافع يأملها ، أو مضرة ، يخشاها ، ويخافها ، بل هو مستغن بذاته عن ذلك من الأزل ، والله أعلم .
ويجوز أن يكون في هذا الإضمار ؛ يعني : واستغنى الرسول عن طاعتهم بالله تعالى ، أو يصرف الاستغناء إلى الإخبار عن ذاته أنه مستغن بذاته في الأزل ، لا تمسه حاجة ، وأنه لا ينصره كفر من كفر ، ولا ينفعه إيمان من آمن ، بل إنما يحصل ذلك كله للممتحن بهما ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { والله غني حميد } قد وصفنا معنى الغني . وأما الحميد فيتحمل{[21336]} وجهين :
أحدهما : يعني المحمود أي المستحق للحمد بذاته ؛ إذ يستحق كل أحد الحمد على ما يحسن{[21337]} .
[ والثاني ]{[21338]} : يحتمل معنى الحميد معنى{[21339]}الحامد ؛ ووجه ذلك أن الله تعالى يحمد محاسن الخلق وآثار أفعالهم ، وأن حقيقة تلك الأفعال من جهة التوفيق والتسديد إنما كانت به ، وذلك غاية [ الكرم ]{[21340]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.