قوله عز وجل : { فلما جاءهم الحق من عندنا } يعني محمداً صلى الله عليه وسلم ، { قالوا } يعني : كفار مكة ، { لولا } هلا ، { أوتي } محمد ، { مثل ما أوتي موسى } من الآيات كاليد البيضاء والعصا ، وقيل : مثل ما أوتي موسى كتاباً جملة واحدة . قال الله تعالى : { أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل } أي : فقد كفروا بآيات موسى كما كفروا بآيات محمد ، { قالوا سحران تظاهرا } قرأ أهل الكوفة : سحران ، أي : التوراة والقرآن . تظاهرا يعني : كل سحر يقوي الآخر ، نسب التظاهر إلى السحرين على الاتساع ، قال الكلبي : كانت مقالتهم تلك حين بعثوا في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رؤوس اليهود بالمدينة ، فسألوهم عن محمد فأخبروهم أن نعته في كتابهم التوراة ، فرجعوا فأخبروهم بقول اليهود ، فقالوا : سحران تظاهرا . وقرأ الآخرون : ساحران يعنون محمداً وموسى عليهما السلام ، لأن معنى التظاهر بالناس وأفعالهم أشبه منه بالكتب . { وقالوا إنا بكل كافرون* }
{ فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ } الذي لا شك فيه { مِنْ عِنْدِنَا } وهو القرآن ، الذي أوحيناه إليك { قَالُوا } مكذبين له ، ومعترضين بما ليس يعترض به : { لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى } أي : أنزل عليه كتاب من السماء جملة واحدة . أي : فأما ما دام ينزل متفرقا ، فإنه ليس من عند اللّه . وأي : دليل في هذا ؟ وأي : شبهة أنه ليس من عند اللّه ، حين نزل مفرقا ؟
بل من كمال هذا القرآن ، واعتناء اللّه بمن أنزل عليه ، أن نزل متفرقا ، ليثبت اللّه به فؤاد رسوله ، ويحصل زيادة الإيمان للمؤمنين { وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا } وأيضا ، فإن قياسهم على كتاب موسى ، قياس قد نقضوه ، فكيف يقيسونه على كتاب كفروا به ولم يؤمنوا ؟ ولهذا قال { أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا } أي : القرآن والتوراة ، تعاونا في سحرهما ، وإضلال الناس { وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ } فثبت بهذا أن القوم يريدون إبطال الحق بما ليس ببرهان ، وينقضونه بما لا ينقض ، ويقولون الأقوال المتناقضة المختلفة ، وهذا شأن كل كافر . ولهذا صرح أنهم كفروا بالكتابين والرسولين ، ولكن هل كفرهم بهما كان طلبا للحق ، واتباعا لأمر عندهم خير منهما ، أم مجرد هوى ؟ .
ثم بين - سبحانه - بعد ذلك موقفهم بعد مجىء الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم فقال : { فَلَمَّا جَآءَهُمُ الحق مِنْ عِندِنَا } متمثلا فى رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وفيما أيدناه به من معجزات دالة على صدقه ، وعلى رأسها القرآن الكريم .
لما جاءهم هذا الرسول الكريم { قَالُواْ } على سبيل التعنت والجحود : هلا أوتى هذا الرسول مثل ما أوتى موسى ، من توراة أنزلت عليه جملة واحدة ومن معجزات حسية منها العصا واليد والطوفان ، والجراد . . . إلخ .
وقوله - عز وجل - { أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ بِمَآ أُوتِيَ موسى مِن قَبْلُ . . } رد عليهم لبيان أن ما قالوه هو من باب العناد والتعنت ، والاستفهام لتقرير كفرهم وتأكيده .
أى : قالوا ما قالوا على سبيل الجحود ، والحال أن هؤلاء المشركين كفروا كفرا صريحا بما أعطاه الله - تعالى - لموسى من قبلك - يا محمد - من معجزات ، كما كفروا بالمعجزات التى جئت بها من عند ربك ، فهم ديدنهم الكفر بكل حق .
ثم حكى - سبحانه - بعض أقوالهم الباطلة فقال : { قَالُواْ سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُواْ إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ } .
وقوله : { سِحْرَانِ } خبر لمبتدأ محذوف . أى : قالوا ما يقوله كل مجادل بغير علم : هما - أى ما اء به موسى وما جاء به محمد - عليهما الصلاة والسلام ، { سِحْرَانِ تَظَاهَرَا } أى : تعاونا على إضلالنا ، وإخراجنا عن ديننا ، وقالوا - أيضا - { إِنَّا بِكُلٍّ } أى بكل واحد مما جاءوا به { كَافِرُونَ } كفرا لا رجوع معه إلى ما جاء به هذان النبيان - عليهما الصلاة والسلام - .
قال الآلوسى : وقوله : { قَالُواْ } استئناف مسوق لتقرير كفرهم المستفاد من الإنكار السابق ، وبيان كيفيته ، و { سِحْرَانِ } ، يعنون بهما ما أوتى نبينا وما أوتى موسى . . { تَظَاهَرَا } أى : تعاونا بتصديق كل واحد منهما الآخر ، وتأييده إياه ، وذلك أن أهل مكة بعثوا رهطا منهم إلى رؤساء اليهود فى عيد لهم ، فسألوهم عن شأنه صلى الله عليه وسلم فقالوا : إنا نجده فى التوارة بنعته وصفته ، فلما رجع الرهط وأخبروهم بما قالت اليهود . قالوا ذلك .
وقرأ الأكثرون { قَالُواْ ساحْرَانِ تَظَاهَرَا } وأرادوا بهما محمد وموسى - عليهما الصلاة والسلام - .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.