غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلۡحَقُّ مِنۡ عِندِنَا قَالُواْ لَوۡلَآ أُوتِيَ مِثۡلَ مَآ أُوتِيَ مُوسَىٰٓۚ أَوَلَمۡ يَكۡفُرُواْ بِمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ مِن قَبۡلُۖ قَالُواْ سِحۡرَانِ تَظَٰهَرَا وَقَالُوٓاْ إِنَّا بِكُلّٖ كَٰفِرُونَ} (48)

43

ثم بين أنهم قبل البعثة يتعلقون بشبهة وبعد البعثة يتعلقون بأخرى فلا مقصود لهم إلا العناد فقال { فلما جاءهم الحق } أي الرسول المصدّق بالكتاب المعجز { قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى } من الكتاب المنزل جملة ومن سائر المعجزات كقلب العصا حية واليد البيضاء وفلق البحر ، فأجاب الله تعالى عن شبهتهم بقوله { أولم يكفروا } وفيه وجوه : أحدها أن اليهود أمروا قريشاً أن يسألوا محمداً مثل ما أوتي موسى فقال تعالى : { أولم يكفروا } هؤلاء اليهود الذين اقترحوا هذا السؤال بموسى مع تلك الآيات الباهرة . والذين أوردوا هذا الاقتراح يهود مكة ، والذين كفروا بموسى من قبل أو بما أوتي موسى من قبل هم الذين كانوا في زمن موسى إلا أنه تعالى جعلهم كالشيء الواحد لتجانسهم في الكفر والعنت . وقال الكلبي : إن مشركي مكة بعثوا رهطاً إلى يهود المدينة يسألهم عن محمد وشأنه فقالوا : إنا نجده في التوراة بنعته وصفته ، فلما رجه الرهط إليهم فأخبروهم بقول اليهود قالوا : إنه كان ساحراً كما أن محمداً ساحر فقال الله تعالى في حقهم { أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل } . وقال الحسن : قد كان للعرب أصل في أيام موسى فالتقدير : أولم يكفر آباؤهم بأن قالوا في موسى وهارون ساحران تظاهرا أي تعاونا .

وقال قتادة : أولم يكفر اليهود في عصر محمد بما أوتي موسى من قبل من البشارة بعيسى ومحمد عليه السلام ف { قالوا ساحران } والأظهر أن كفار مكة وقريش كانوا منكرين لجميع النبوات . ثم إنهم طلبوا من محمد معجزات موسى فقال الله تعالى : { أولم يكفروا بما أوتي موسى } بل بما أوتي جميع الأنبياء من قبل ؟ فعلم أنه لا غرض لهم في هذا الاقتراح إلا التعنت . من قرأ { ساحران } بالألف فظاهر ، وأما من قرأ { سحران } فإما بمعنى ذوي سحر أو على جعلهما سحرين مبالغة في وصفهما بالسحر ، أو على إرادة نوعين من السحر ، أو على أن المراد هو القرآن والتوراة . وضعفه أبو عبيدة بأن المظاهرة بالناس وأفعالهم أشبه منها بالكتب . وأجيب بأن الكتابين لما كان كل واحد منهما يقوّي الآخر لم يبعد أن يقال على سبيل المجاز تعاونا كما يقال تظاهرت الأخبار . وفي تكرار { قالوا } وجهان : أحدهما قالوا ساحران مرة { وقالوا إنا بكل } من موسى ومحمد أو بكل من الكتابين { كافرون } مرة . وثانيهما أن يكون قوله { وقالوا } معطوفاً على { أولم يكفروا } .

/خ70