اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلۡحَقُّ مِنۡ عِندِنَا قَالُواْ لَوۡلَآ أُوتِيَ مِثۡلَ مَآ أُوتِيَ مُوسَىٰٓۚ أَوَلَمۡ يَكۡفُرُواْ بِمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ مِن قَبۡلُۖ قَالُواْ سِحۡرَانِ تَظَٰهَرَا وَقَالُوٓاْ إِنَّا بِكُلّٖ كَٰفِرُونَ} (48)

قوله : «فَلَمَّا جَاءَهُمْ » يعني محمداً الحق{[40464]} من عندنا قالوا يعني كفار مكة ( لَوْلاَ ) هلاَّ «أُوتِيَ مُحَمَّدٌ » مثل ما أُوتِيَ موسى من الآيات كاليد البيضاء ، والعصا ، وفلق البحر ، وتظليل الغمام ، وانفجار الحجر بالماء والمنِّ و{[40465]} السَّلْوَى وكلام الله وغيرها{[40466]} .

وقيل : مثل ما أُوتي موسى كتاباً جملةً واحدةً{[40467]} . قال الله عزّ وجلّ : { أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ موسى مِن قَبْلُ } ، واختلفوا في الضمير{[40468]} في قوله : أَوَ لَمْ يَكْفُرُوا{[40469]} ، فقيل : إن اليهود أمروا قريشاً{[40470]} أن يسألوا محمداً أن يؤتى{[40471]} مثل ما أُوتِيَ مُوسَى - عليه السلام{[40472]} - فقال تعالى : «أَوَ لَمْ يَكْفُرُوا » هؤلاء اليهود { بِمَا أُوتِيَ موسى } بجميع{[40473]} تلك الآيات الباهرة ؟ وقيل : إنّ الذين اقترحوا هذا هم كفار مكة ، والذين كفروا بموسى هم الذين كانوا في زمن موسى إلاَّ أنه تعالى جعله كالشيء الواحد ، لأنهم في الكفر والتعنت كالشيء الواحد . وقال الكلبي : إنَّ مشركي مكة بعثوا رهطاً إلى يهود المدينة يسألونهم{[40474]} عن محمد وشأنه ، فقالوا : إنا نجده في التوراة بنعته وصفته ، فلما رجع الرَّهط وأخبروهم{[40475]} بقول اليهود ، و{[40476]} قالوا : إنَّه كان ساحراً كما أن محمداً ساحر ، فقال تعالى في حقهم : { أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ موسى مِن قَبْلُ } .

وقال الحسن : كان للعرب أصل في أيام موسى - عليه السلام{[40477]} - فمعناه على هذا : أو لم يكفر آباؤهم ، وقالوا : موسى وهارون ساحران ، وقال قتادة : أو لم يكفر اليهود في عصر محمد بما أوتي موسى من قبل من البشارة بعيسى ومحمد فقالوا ساحران ، وقيل{[40478]} : إن كفار قريش كانوا منكرين لجميع النبوات ثم إنهم لما طلبوا من الرسول معجزات موسى - عليه السلام{[40479]} - قال تعالى : { أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ موسى مِن قَبْلُ } ، بل بما{[40480]} أوتي جميع الأنبياء من قبل ، أي : لا غرض لهم من هذا الاقتراح إلا التعنت ، ثم حكى كيفية كفرهم بما أوتي موسى{[40481]} ، وهو قولهم «سَاحِرَانِ تَظَاهَرا »{[40482]} .

قوله : «مِن قَبْلُ » إمَّا أن يتعلق ب «يَكْفُرُوا » ، أو ب «أُوتِيَ » أي{[40483]} من قبل ظهورك{[40484]} .

قوله : «سَاحِرَانِ » قرأ الكوفيون{[40485]} «سِحْرَان » أي هما ، أي : القرآن والتوراة ، أو موسى وهارون ، وذلك على المبالغة ، جعلوهما{[40486]} نفس السحر ، أو على حذف مضاف ، أي : ذوا سِحْرَين ، ولو صحَّ هذا لكان ينبغي أن يفرد سحر ، ولكنَّه ثني تنبيهاً على التنويع ، وقيل المراد : موسى ومحمد - عليهما السلام{[40487]} - أو{[40488]} التوراة والإنجيل ، والباقون : «سَاحِرانِ » أي : موسى وهارون أو موسى ومحمد{[40489]} كما تقدم .

قوله : «تَظَاهَرَا » العامة على تخفيف الظاء فعلاً ماضياً صفة ل «سِحْرَان » أو «سَاحِرَانِ » أي : تعاوَنَا{[40490]} .

وقرأ الحسن ويحيى بن الحارث الذَّمَّاري وأبو حيوة واليزيدي بتشديدها{[40491]} ، وقد لحنهم الناس ، قال ابن خالويه تشديده{[40492]} لحن ، لأنه فعل ماض ، وإنَّما يُشَدَّد في المضارع{[40493]} ، وقال الهذلي : لا معنى له{[40494]} ، وقال أبو الفضل : لا أعرف وجهه{[40495]} . وهذا عجيب من هؤلاء ، وقد حذفت نون الرفع في مواضع حتى في الفصيح كقوله عليه السلام{[40496]} : «لاَ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حَتى تُؤْمِنُوا ، وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابّوا »{[40497]} ولا فرق بين كونها بعد واو ، أو ألف ، أو ياء ، فهذا{[40498]} أصله تتظاهران فأدغم وحذفت نونه تخفيفاً{[40499]} ، وقرأ الأعمش وطلحة وكذا في مصحف عبد الله «اظَّاهَرا » بهمزة وصل وشد الظاء{[40500]} وأصلها تظاهرا كقراءة العامة ، فلما أريد الإدغام سُكِّن الأول فاجتلبت{[40501]} همزة الوصل{[40502]} ، واختار أبو عبيدة القراءة بالألف{[40503]} ، لأن المظاهر{[40504]} بالناس وأفعالهم أشبه منها بأن المراد الكتابين{[40505]} ، لكن لما كان كل واحد من الكتابين يقوي الآخر لم يبعد أن يقال على سبيل المجاز تعاونا ، كما يقال : تظاهرت الأخبار{[40506]} .

قوله : { وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ } أي بما أنزل على محمد وموسى وسائر الأنبياء ، وهذا الكلام لا يليق إلا بالمشركين إلا باليهود{[40507]} ، ثم قال :


[40464]:في ب: بالحق. وهو تحريف.
[40465]:و: سقط من ب.
[40466]:انظر الفخر الرازي 24/260.
[40467]:انظر البغوي 6/348.
[40468]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 24/260-261. بتصرف يسير.
[40469]:في ب: أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل.
[40470]:قريشاً: تكملة من الفخر الرازي.
[40471]:أن يؤتى: تكملة من الفخر الرازي.
[40472]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[40473]:في ب: مع.
[40474]:في الأصل: يسألوهم.
[40475]:في ب: وأخبروه.
[40476]:و: سقط من ب.
[40477]:في ب:عليه الصلاة والسلام.
[40478]:في ب: فقالوا.
[40479]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[40480]:في ب: بل إنما.
[40481]:في ب: موسى من قبل.
[40482]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 24/260-261.
[40483]:أي: سقط من الأصل.
[40484]:انظر الكشاف 3/172.
[40485]:وهم: عاصم وحمزة والكسائي. السبعة (495).
[40486]:في ب: جعلوها.
[40487]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[40488]:في ب: و.
[40489]:السبعة (495)، الكشف 2/174-175، النشر 2/341، 342، الإتحاف (343).
[40490]:انظر مجاز القرآن 2/107، تفسير غريب القرآن (333).
[40491]:المختصر (113)، البحر المحيط 7/124.
[40492]:في الأصل: بتشديده.
[40493]:المختصر (113).
[40494]:انظر البحر المحيط 7/124.
[40495]:المرجع السابق.
[40496]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[40497]:وهو قول ابن مالك، انظر شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح (172-173)، شرح الكافية الشافية 1/209-210. والحديث أخرجه مسلم (إيمان) 1/74، الترمذي (استئذان) 4/156، أحمد 1/167، 2/391، 442، 477، 495.
[40498]:في ب: وهذا.
[40499]:انظر البحر المحيط 7/124.
[40500]:المختصر 113، البحر المحيط 7/124.
[40501]:في ب: فاختلف. وهو تحريف.
[40502]:المختصر (113)، البحر المحيط 7/124.
[40503]:أي: "ساحران".
[40504]:في الأصل: الظاهر.
[40505]:في ب: بالكتابين.
[40506]:انظر الفخر الرازي 24/261.
[40507]:المرجع السابق.