تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلۡحَقُّ مِنۡ عِندِنَا قَالُواْ لَوۡلَآ أُوتِيَ مِثۡلَ مَآ أُوتِيَ مُوسَىٰٓۚ أَوَلَمۡ يَكۡفُرُواْ بِمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ مِن قَبۡلُۖ قَالُواْ سِحۡرَانِ تَظَٰهَرَا وَقَالُوٓاْ إِنَّا بِكُلّٖ كَٰفِرُونَ} (48)

[ الآية 48 ] وقوله تعالى : { فلما جاءهم الحق من عندنا } جائز أن يكون الحق الذي ذكر الرسول نفسه . ويحتمل { الحق } الكتاب الذي أنزل عليه وآياته{[15393]} .

وقوله تعالى : { هلا أوتي مثل ما أوتي موسى } هذا يحتمل وجوها :

أحدهما : قالوا : هلا أوتي محمد من أنواع [ النعم ]{[15394]} من المن والسلوى وغيرهم{[15395]} من غير تكلف ولا تعب { مثل ما أوتي موسى } لو كان رسولا على ما يقول .

[ والثاني ]{[15396]} : أن يقولوا { لولا أوتي } من الآيات الحسيات الظاهرات من نحو اليد والعصا والحجر الذي كان يتفجر منه الماء والغمام وما ذكر من الضفادع والقمل والدم والطوفان وغير ذلك { مثل ما أوتي موسى } .

[ والثالث ]{[15397]} : أن يقولوا { لولا أوتي } محمد القرآن جملة عيانا جهارا كما أوتي موسى التوراة جملة عيانا جهارا ، والله أعلم بذلك : بما عنوا به .

ثم بين الله تعالى ، وأخبر أنهم إنما يسألون ما سألوه سؤال عناد ومكابرة لا سؤال استرشاد وطلب [ للحق حين ]{[15398]} قال : { أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل } أي ألم يكفر هؤلاء الذين سألوك الآيات بما أوتي موسى ؛ يعني أهل مكة ، لأنهم كانوا مشركين ، لم يؤمنوا برسول قط من قبل .

ويحتمل قوله : { أولم يكفروا } أي ألم يكفر قوم موسى بما أوتي موسى بعد سؤالهم الآيات إذ أتاهم بها . فعلى ذلك هؤلاء يكفرون بما أوتيت . والأول أشبه .

[ وقوله تعالى ]{[15399]} : { قالوا سحران تظاهرا } وقد قرئ : ساحران بالألف{[15400]} . قال بعضهم : ساحران موسى وهارون ، [ وقال بعضهم ]{[15401]} : موسى ومحمد ، وقال بعضهم : عيسى ومحمد .

وقوله تعالى : { سحران } بغير ألف كتابان . لكنهم اختلفوا . قال بعضهم : التوراة والإنجيل . وقال بعضهم : الفرقان والتوراة ونحوه . وقال بعض أهل الأدب أيضا : ساحران أولى وأقرب ، لأن ذكر التظاهر إنما يكون بين الأنفس ، لا يكون بين الكتب ؛ تظاهرا أي تعاونا . وقال بعضهم من أهل الأدب أيضا : سحران بغير ألف أولى لأنه أراد به الكتابين .

ألا ترى أنه طلب منهم بما قالوا إتيان الكتاب [ حين قال ]{[15402]} : { قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما } ؟ رد على ما قالوا ، وطلبوا منه .

لكن نقول نحن : لا نحب أن تختار إحدى القراءتين على الأخرى ، لأنه إنما هو خبر ، أخبر عنهم أنهم قالوا ذلك ؛ فمرة قالوا : سحران ، ومرة قالوا : ساحران . فأخبر على ما قالوا . وكذلك قوله : { سيقولون لله قل أفلا تتقون } [ المؤمنون : 87 ] بالألف { الله } وغير الألف { لله }{[15403]} لا يختار أحدهما على الآخر لأنه خبر ، أخبر عنهم على ما كان منهم فهو على ما أخبر ، والله أعلم .

وقال بعض أهل التأويل : في قوله : { لولا أوتي مثل ما أوتي موسى } قالت يهود : نأمر قريشا أن تسأل أن يؤتى محمد مثل ما أوتي موسى ، يقول الله لرسوله : قل لقريش : قولوا{[15404]} لهم : { أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل } يعني يهود { قالوا سحران تظاهرا } قال : قول يهود لموسى وهارون ، وهو مما ذكرنا قريب ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { إنا بكل كافرون } بما أوتي موسى على اختلاف ما ذكرنا .


[15393]:- في الأصل وم: وآيات.
[15394]:- من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم.
[15395]:- في الأصل وم: وغيره.
[15396]:- في الأصل وم: أو.
[15397]:- في الأصل وم: أو
[15398]:- في الأصل وم: الحق حيث.
[15399]:- في الأصل وم: ثم.
[15400]:- انظر معجم القراءات القرآنية ج5/ 26.
[15401]:- ساقطة من الأصل وم.
[15402]:- في الأصل وم: حيث قالوا.
[15403]:- انظر معجم القراءات ج4/221.
[15404]:- في الأصل وم: يقولوا.