فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلۡحَقُّ مِنۡ عِندِنَا قَالُواْ لَوۡلَآ أُوتِيَ مِثۡلَ مَآ أُوتِيَ مُوسَىٰٓۚ أَوَلَمۡ يَكۡفُرُواْ بِمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ مِن قَبۡلُۖ قَالُواْ سِحۡرَانِ تَظَٰهَرَا وَقَالُوٓاْ إِنَّا بِكُلّٖ كَٰفِرُونَ} (48)

{ فلما جاءهم الحق من عندنا } أي : فلما جاء أهل مكة الحق من عند الله ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم ما أنزل عليه من القرآن :

{ قالوا } تعنتا منهم وجدالا بالباطل . { لولا } هلا { أوتي } هذا الرسول { مثل ما أوتي موسى } من الآيات كاليد ، والعصا ، وغيرهما ، أو التوراة المنزلة عليه جملة واحدة ، فأجاب الله عليهم بقوله :

{ أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل } أي من قبل هذا القول ، أو من قبل ظهور قبل محمد صلى الله عليه وسلم ، والمعنى أنهم قد كفروا بآيات موسى كما كفروا بآيات محمد حيث { قالوا : ساحران تظاهرا } مستأنفة مسوقة لتقرير كفرهم وعنادهم والمراد بهما موسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ، والتظاهر التعاون ، أي تعاونا على السحر .

والضمير في ( أو لم يكفروا ) لكفار قريش ، وقيل : هو لليهود ، والأول أولى ، فإن اليهود لا يصفون موسى بالسحر إنما يصفه بذلك كفار قريش وأمثالهم ، إلا أن يراد من أنكر نبوة موسى ، كفرعون وقومه فإنهم وصفوا موسى وهرون بالسحر ؛ ولكنهم ليسوا من اليهود ، ويمكن أن يكون الضمير لمن كفر بموسى ومن كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فإن الذين كفروا بموسى وصفوه بالسحر والذين كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وصفوه أيضا بالسحر ، وقيل المعنى : أو لم يكفر اليهود في عصر محمد صلى الله عليه وسلم بما أوتي موسى من قبله بالبشارة بعيسى ومحمد ، قرأ الجمهور : ساحران ، وقرأ الكوفيون سحران ، يعنون التوراة والقرآن وقيل : الإنجيل والقرآن ، قال بالأول : الفراء ، وقال بالثاني : أبو زيد ، وقيل : إن الضمير في ( أولم يكفروا ) لليهود وأنهم عنوا بقولهم ساحران : عيسى ومحمدا عليهما الصلاة والسلام ، وقال ابن عباس في الآية هم أهل الكتاب .

{ وقالوا : إنا بكل كافرون } يعني بكل من موسى ومحمد أو من موسى وهرون ؛ أو من موسى وعيسى ، أو من عيسى ومحمد ، أو بكل من التوراة والإنجيل والفرقان على اختلاف الأقوال ، وفي هذه الجملة تقرير لما تقدمها من وصف النبيين بالسحر ، أو من وصف الكتابيين به ، وتأكيد لذلك .