البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلۡحَقُّ مِنۡ عِندِنَا قَالُواْ لَوۡلَآ أُوتِيَ مِثۡلَ مَآ أُوتِيَ مُوسَىٰٓۚ أَوَلَمۡ يَكۡفُرُواْ بِمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ مِن قَبۡلُۖ قَالُواْ سِحۡرَانِ تَظَٰهَرَا وَقَالُوٓاْ إِنَّا بِكُلّٖ كَٰفِرُونَ} (48)

{ والحق } : هو الرسول ، محمد صلى الله عليه وسلم ، جاء بالكتاب المعجز الذي قطع معاذيرهم .

وقيل : القرآن ، { مثل ما أوتي موسى } .

{ من قبل } : أي من قبل الكتاب المنزل جملة واحدة ، وانقلاب العصا حية ، وفلق البحر ، وغيرها من الآيات .

اقترحوا ذلك على سبيل التعنت والعناد ، كما قالوا : لولا أنزل عليه كنز ، وما أشبه ذلك من المقترحات لهم .

وهذه المقالة التي قالوها هي من تعليم اليهود لقريش ، قالوا لهم .

ألا يأتي بآية باهرة كآيات موسى ، فرد الله عليهم بأنهم كفروا بآيات موسى ، وقد وقع منهم في آيات موسى ما وقع من هؤلاء في آيات الرسول .

فالضمير في : { أو لم يكفروا } لليهود ، قاله ابن عطية : وقيل : قائل ذلك العرب بالتعليم ، كما قلنا .

وقيل : قائل ذلك اليهود ، ويظهر عندي أنه عائد على قريش الذين قالوا : { لولا أوتي } : أي محمد ، { ما أوتي موسى } ، وذلك أن تكذيبهم لمحمد صلى الله عليه وسلم تكذيب لموسى عليه السلام ، ونسبتهم السحر للرسول نسبة السحر لموسى ، إذ الأنبياء هم من وادٍ واحد .

فمن نسب إلى أحد من الأنبياء ما لا يليق ، كان ناسباً ذلك إلى جميع الأنبياء .

وقال الزمخشري : { أو لم يكفروا } ، يعني آباء جنسهم ، ومن مذهبهم مذهبهم ، وعنادهم عنادهم ، وهم الكفرة في زمن موسى { بما أوتي موسى } .

وعن الحسن : قد كان للعرب أصل في أيام موسى ، فمعناه على هذا : أو لم يكفر آباؤهم ؟ قالوا في موسى وهارون : { ساحران تظاهرا } ، أي تعاوناً . انتهى .

ومن قبل : يحتمل أن يتعلق بيكفروا ، وبما أوتي .

وقرأ الجمهور : ساحران .

قال مجاهد : موسى وهارون .

وقال الحسن : موسى وعيسى .

وقال ابن عباس : موسى ومحمد صلى الله عليه وسلم .

وقال الحسن أيضاً : عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام .

وقرأ عبد الله ، وزيد بن علي ، والكوفيون : سحران .

قال ابن عباس : التوراة والقرآن .

وقيل : التوراة والإنجيل ، أو موسى وهارون جعلا سحرين على سبيل المبالغة .

{ تظاهرا } : تعاونا .

قرأ الجمهور : تظاهرا : فعلاً ماضياً على وزن تفاعل .

وقرأ طلحة ، والأعمش : اظاهرا ، بهمزة الوصل وشد الظاء ، وكذا هي في حرف عبد الله ، وأصله تظاهرا ، فأدغم التاء في الظاء ، فاجتلبت همزة الوصل لأجل سكون التاء المدغمة .

وقرأ محبوب عن الحسن ، ويحيى بن الحارث الذماري ، وأبو حيوة ، وأبو خلاد عن اليزيدي : تظاهرا بالتاء ، وتشديد الظاء .

قال ابن خالويه : وتشديده لحن لأنه فعل ماض ، وإنما يشدد في المضارع .

وقال صاحب اللوامح : ولا أعرف وجهه .

وقال صاحب الكامل في القراءات : ولا معنى له . انتهى .

وله تخريج في اللسان ، وذلك أنه مضارع حذفت منه النون ، وقد جاء حذفها في قليل من الكلام وفي الشعر ، وساحران خبر مبتدأ محذوف تقديره : أنتما ساحران تتظاهران ؛ ثم أدغمت التاء في الظاهر وحذفت النون ، وروعي ضمير الخطاب .

ولو قرىء : يظاهرا ، بالياء ، حملاً على مراعاة ساحران ، لكان له وجه ، أو على تقدير هما ساحران تظاهرا .

{ وقالوا إنا بكل كافرون } : أي بكل من الساحرين أو السحرين .