قوله تعالى : { عفا الله عنك } ، قال عمرو بن ميمون : اثنان فعلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يؤمر بهما : إذنه للمنافقين ، وأخذه الفدية من أسارى بدر ، فعاتبه الله كما تسمعون . قال سفيان بن عيينة : انظروا إلى هذا اللطف بدأ بالعفو قبل أن يعيره بالذنب . وقيل : إن الله عز وجل وقرة ورفع محله بافتتاح الكلام بالدعاء له ، كما يقول الرجل لمن يخاطبه إذا كان كريما عنده : عفا الله عنك ما صنعت في حاجتي ؟ ورضي الله عنك ألا زرتني . وقيل معناه : أدام الله لك العفو . { لم أذنت لهم } ، أي : في التخلف عنك { حتى يتبين لك الذين صدقوا } ، في أعذارهم ، { وتعلم الكاذبين } ، فيها ، أي : تعلم من لا عذر له . قال ابن عباس رضي الله عنه : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف المنافقين يومئذ .
{ عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتّىَ يَتَبَيّنَ لَكَ الّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ } .
وهذا عتاب من الله تعالى ذكره عاتب به نبيه صلى الله عليه وسلم في إذنه لمن أذن له في التخلف عنه حين شخص إلى تبوك لغزو الروم من المنافقين . يقول جلّ ثناؤه : عَفَا اللّهُ عَنْكَ يا محمد ما كان منك في إذنك لهؤلاء المنافقين الذي استأذنوك في ترك الخروج معك ، وفي التخلف عنك من قبل أن تعلم صدقه من كذبه . لِمَ أذِنْتَ لَهُمْ لأيّ شيء أذنت لهم ، حتّى يَتَبَيّنَ لَكَ الّذِينَ صَدَقُوا وتَعْلَمَ الكاذبِينَ يقول : ما كان ينبغي لك أن تأذن لهم في التخلف عنك ، إذ قالوا لك : استطعنا لخرجنا معك ، حتى تعرف من له العذر منهم في تخلفه ومن لا عذر له منهم ، فيكون إذنك لمن أذنت له منهم على علم منك بعذره ، وتعلم من الكاذب منهم المتخلف نفاقا وشكّا في دين الله .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : عَفَا اللّهُ عَنْكَ لِمَ أذِنْتَ لَهُمْ قال : ناس قالوا : استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن أذن لكم فاقعدوا وإن لم يأذن لكم فاقعدوا .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : عَفَا اللّهُ عَنْكَ لِمَ أذِنْتَ لَهُمْ حتّى يَتَبَيّنَ لَكَ الّذِينَ صَدَقُوا . . . الآية ، عاتبه كما تسمعون ، ثم أنزل الله التي في سورة النور ، فرخص له في أن يأذن لهم إن شاء ، فقال : فإذَا اسْتَأذَنُوكَ لبَعْضِ شأْنِهِمْ فأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ فجعله الله رخصة في ذلك من ذلك .
حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عمرو بن ميمون الأودي ، قال : اثنتان فعلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤمر فيهما بشيء : إذنه للمنافقين ، وأخذه من الأسارى ، فأنزل الله : عَفَا اللّهُ عَنْكَ لِمَ أذِنْتَ لَهُمْ . . . الآية .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : قرأت على سعيد بن أبي عروبة ، قال : هكذا سمعته من قتادة ، قوله : عَفَا اللّهُ عَنْكَ لِمَ أذِنْتَ لَهُمْ . . . الآية ، ثم أنزل الله بعد ذلك في سورة النور : فإذَا اسْتَأذَنُوكَ لبَعْضِ شأْنِهِمْ فأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ . . . الآية .
حدثنا صالح بن مسمار ، قال : حدثنا النضر بن شميل ، قال : أخبرنا موسى بن مروان ، قال : سألت مورّقا ، عن قوله : عَفَا اللّهُ عَنْكَ قال : عاتبه ربه .
هذه الآية في صنف مبالغ في النفاق واستأذنوا دون اعتذار ، منهم عبد الله بن أبيّ والجد بن قيس ورفاعة بن التابوت ومن اتبعهم فقال بعضهم ائذن لي ولا تفتني ، وقال بعضهم : ائذن لنا في الإقامة ، فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم استيفاء منه صلى الله عليه وسلم ، وأخذاً بالأسهل من الأمور وتوكلاً على الله ، وقال مجاهد : إن بعضهم قال نستأذنه فإن أذن في القعود قعدنا وإلا قعدنا فنزلت الآية في ذلك .
وقالت فرقة : إن رسول صلى الله عليه وسلم ، أذن لهم دون أن يؤمر بذلك فعفي عنه ما يلحق من هذا ، وقدم له ذكر العفو قبل العتاب إكراماً له صلى الله عليه وسلم ، وقال عمرو بن ميمون الأودي : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، صدع برأيه في قصتين دون أن يؤمر فيهما بشيء .
هذه ، وأمر أسارى بدر ، فعاتبه الله فيهما ، وقالت فرقة بل قوله في هذه الآية { عفا الله عنك } استفتاح كلام ، كما تقول أصلحك الله وأعزك الله ، ولم يكن منه صلى الله عليه وسلم ، ذنب يعفى عنه لأن صورة الاستنفار قبول الأعذار مصروفة إلى اجتهاده ، وأما قوله { لم أذنت } فهي على معنى التقرير{[5670]} ، وقوله { الذين صدقوا } يريد استئذانك وأنك لو لم تأذن لهم خرجوا معك وقوله { وتعلم الكاذبين } يريد في أنهم استأذنوك يظهرون لك أنهم يقفون عند حدك وهو كذبة قد عزموا على العصيان أذنت لهم أو لم تأذن ، وقال الطبري معناه حتى تعلم الصادقين في أن لهم عذراً والكاذبين في أن لا عذر لهم .
قال القاضي أبو محمد : وعلى هذا التأويل يختلط المتعذرون وقد قدمنا أن فيهم مؤمنين كالمستأذنين وهم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر والأول أصوب والله أعلم .
وأدخل الطبري أيضاً في تفسير هذه الآية عن قتادة أن هذه الآية نزلت بعدها الآية الأخرى في سورة النور { فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم }{[5671]} .
قال القاضي أبو محمد : هذا غلط لأن آية النور نزلت سنة أربع من الهجرة في غزوة الخندق في استئذان بعض المؤمنين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في بعض شأنهم في بيوتهم في بعض الأوقات ، فأباح الله له أن يأذن فتباينت الآيتان في الوقت والمعنى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.