وأمره أن يكفر يمينه ويراجع أمته ، فقال :{ قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } أي بين وأوجب أن تكفروها إذا حنثتم وهي ما ذكر في سورة المائدة { والله مولاكم } ، وليكم وناصركم ، { وهو العليم الحكيم } واختلف أهل العلم في لفظ التحريم ، فقال قوم : ليس هو بيمين ، فإن قال لزوجته : أنت علي حرام ، أو حرمتك ، فإن نوى به طلاقاً فهو طلاق ، وإن نوى تحريم ذاتها أو أطلق فعليه كفارة اليمين بنفس اللفظ . وإن قال ذلك لجاريته فإن نوى عتقاً عتقت ، وإن نوى تحريم ذاتها أو أطلق فعليه كفارة اليمين ، وإن قال لطعام : حرمته على نفسي فلا شيء عليه ، وهذا قول ابن مسعود وإليه ذهب الشافعي . وذهب جماعة إلى أنه يمين ، فإن قال ذلك لزوجته أو جاريته فلا تجب عليه الكفارة ما لم يقربها ، كما لو حلف أن لا يطأها . وإن حرم طعاماً فهو كما لو حلف أن لا يأكله ، فلا كفارة عليه ما لم يأكل ، يروى ذلك عن أبي بكر ، وعائشة ، وبه قال الأوزاعي ، وأبو حنيفة رضي الله عنه .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا معاذ بن فضالة ، حدثنا هشام عن يحيى ، عن ابن حكيم ، وهو يعلى بن حكيم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال في الحرام : يكفر . وقال ابن عباس : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة }( الأحزاب- 21 ) .
ثم بين - سبحانه - جانبا من مظاهر رحمته فقال : { قَدْ فَرَضَ الله لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } .
وقوله { فَرَضَ } هنا بمعنى شرع ، والتحلة : مصدر بمعنى التحليل ، والمراد بها الكفارة ، وهى مصدر حلّل كالتكرمة مصدر كرْم ، من الحل الذى هو ضد العقد .
أى : قد شرع الله - تعالى - لكم تحليل الإيمان التى عقد تموها ، عن طريق الكفارة ، لأن اليمين إذا كانت فى أمر لا يحبه الله - تعالى - فالعدول عنها أولى وأفضل .
وفى الحديث الشريف يقول - صلى الله عليه وسلم - " إنى والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت عن يمينى وفعلت الذى هو خير " .
وقد اختلف العلماء فى التحريم الذى كن من النبى - صلى الله عليه وسلم - أكان بيمين أم لا .
وظاهر الآية يؤيد القول بالإيجاب لقوله - تعالى - : { قَدْ فَرَضَ الله لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } لأن هذه الجملة الكريمة تشعر بأن هناك يمينا تحتاج إلى كفارة .
وقد جاء فى بعض الروايات الصحيحة أنه قال : " بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ، فلن أعود له ، وقد حلفت . لا تخبرى بذلك أحدا . . " .
قال الآلوسى ما ملخصه : واختلفوا هل كفر النبى - صلى الله عليه وسلم - عن يمينه هذه أولا ؟
فعن الحسن أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكفر لأنه كان مغفورا له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وإنما هو تعليم للمؤمنين .
وعن مقاتل : أنه - صلى الله عليه وسلم - أعتق رقبة . . . ونقل مالك عن زيد بن أسلم أنه - صلى الله عليه وسلم - أعطى الكفارة .
وقوله - سبحانه - : { والله مَوْلاَكُمْ } أى : وهو - سبحانه - سيدكم ومتولى أموركم وناصركم . وهو - تعالى - : { العليم الحكيم } أى : العليم بجميع أحوالكم وشئونكم ، الحكيم فى كل أقواله وأفعاله وتدبير شئون عباده .
وقوله : { قد فرض الله } أي بين وأثبت ، وقال قوم من أهل العلم : هذه إشارة إلى تكفير التحريم ، وقال آخرون : هي إشارة إلى تكفير اليمين المقترنة بالتحريم . والتحلة : مصدر ووزنها تفعلة وأدغم لاجتماع المثلين ، وأحال في هذه الآية على الآية التي فسر فيها الإطعام في كفارة اليمين بالله والمولى الموالي الناصر العاضد .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: قد بين الله عزّ وجلّ لكم تحلة أيمانكم، وحدّها لكم أيها الناس. "وَاللّهُ مَوْلاكُمْ" يتولاكم بنصره أيها المؤمنون. "وَهُوَ العَلِيمُ" بمصالحكم "الْحَكِيمُ" في تدبيره إياكم، وصرفكم فيما هو أعلم به...
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
قد بيّن اللّه لكم المخرج من أيمانكم...
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
الفرض ها هنا بمعنى البيان والتسمية ويقال: بمعنى التقدير؛ لأن الكفارات مقدرة معدودة...
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي 516 هـ :
أي بيّن وأوجب أن تكفروها إذا حنثتم وهي ما ذكر في سورة المائدة...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{قَدْ فَرَضَ الله لَكُمْ تَحِلَّةَ أيمانكم} فيه معنيان؛
أحدهما: قد شرع الله لكم الاستثناء في أيمانكم...
والثاني: قد شرع الله لكم تحلتها بالكفارة...
{والله مولاكم} سيدكم ومتولي أموركم {وَهُوَ العليم} بما يصلحكم فيشرعه لكم {الحكيم} فلا يأمركم ولا ينهاكم إلا بما توجبه الحكمة. وقيل: مولاكم أولى بكم من أنفسكم، فكانت نصيحته أنفع لكم من نصائحكم لأنفسكم.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{قد فرض الله} أي قدر ذو الجلال والإكرام...وعبر بالفرض حثاً على قبول الرخصة إشارة إلى أن ذلك لا يقدح في الورع ولا يخل بحرمة اسم الله...
. {لكم} أي أيتها الأمة التي أنت رأسها...
{تحلة} أي تحللة {أيمانكم} أي شيئاً يحللكم مما أوثقتم به أنفسكم منها تارة بالاستثناء وتارة بالكفارة تحليلاً عظيماً بحيث يعيد الحال إلى ما كان عليه قبل اليمين...
{والله} أي والحال أن المختص بأوصاف الكمال {مولاكم} أي يفعل معكم فعل القريب الصديق (وهو) أي وحده {العليم} أي البالغ العلم بمصالحكم وغيرها إلى ما لا نهاية له {الحكيم} أي الذي يضع كل ما يصدر عنه لكم في أتقن محاله بحيث لا ينسخه هو ولا يقدر غيره أن يغيره ولا شيئاً منه...
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني 1250 هـ :
فالتحليل والتحريم هو إلى الله سبحانه لا إلى غيره، ومعاتبته لنبيه صلى الله عليه وسلم في هذه السورة أبلغ دليل على ذلك...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(والله مولاكم).. فهو يعينكم على ضعفكم وعلى ما يشق عليكم. ومن ثم فرض تحلة الأيمان، للخروج من العنت والمشقة.. (وهو العليم الحكيم). يشرع لكم عن علم وعن حكمة، ويأمركم بما يناسب طاقتكم وما يصلح لكم. فلا تحرموا إلا ما حرم، ولا تحلوا غير ما أحل. وهو تعقيب يناسب ما قبله من توجيه...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.