{ قَدْ فَرَضَ الله لَكُمْ تَحِلَّةَ أيمانكم } فيه معنيان ، أحدهما : قد شرع الله لكم الاستثناء في أيمانكم ، من قولك : حلل فلان في يمينه ، إذا استثنى فيها . ومنه : حلا أبيت اللعن ، بمعنى : استثن في يمينك إذا أطلقها ؛ وذلك أن يقول : «إن شاء الله » عقيبها ، حتى لا يحنث . والثاني : قد شرع الله لكم تحلتها بالكفارة . ومنه قوله عليه الصلاة والسلام : " لا يموت لرجل ثلاثة أولاد فتمسه النار إلا تحلة القسم " وقول ذي الرمّة :
قَلِيلاً كَتَحْلِيلِ الأُلِيِّ ***
فإن قلت : ما حكم تحريم الحلال ؟ قلت : قد اختلف فيه ، فأبو حنيفة يراه يميناً في كل شيء ، ويعتبر الانتفاع المقصود فيما يحرّمه ؛ فإذا حرّم طعاماً فقد حلف على أكله ، أو أمة فعلى وطئها ، أو زوجة فعلى الإيلاء منها إذا لم يكن له نية ؛ وإن نوى الظهار فظهار ؛ وإن نوى الطلاق فطلاق بائن «وكذلك إن نوى ثنتين وإن نوى ثلاثاً فكما نوى ، وإن قال : نويت الكذب ديِّن فيما بينه وبين الله تعالى ، ولا يدين في القضاء بإبطال الإيلاء . وإن قال : كل حلال عليّ حرام فعلى الطعام والشراب إذا لم ينو ، وإلا فعلى ما نوى ، ولا يراه الشافعي يميناً . ولكن سبباً في الكفارة في النساء وحده وحدهنّ ، وإن نوى الطلاق فهو رجعي عنده .
وعن أبي بكر وعمر وابن عباس وابن مسعود وزيد رضي الله عنهم : أنّ الحرام يمين وعن عمر : إذا نوى الطلاق فرجعي . وعن علي رضي الله عنه : ثلاث . وعن زيد : واحدة بائنة . وعن عثمان : ظهار . وكان مسروق لا يراه شيئاً ويقول : ما أبالي أحرمتها أم قصعة من ثريد ، وكذلك عن الشعبي قال : ليس بشيء ، محتجاً بقوله تعالى : { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكذب هذا حلال وهذا حَرَامٌ } [ النحل : 116 ] وقوله تعالى : { لا تُحَرّمُواْ طيبات مَا أَحَلَّ الله لَكُمْ } [ المائدة : 87 ] وما لم يحرمه الله تعالى فليس لأحد أن يحرّمه ولا أن يصير بتحريمه حراماً ، ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لما أحله الله : هو حرام عليّ ، وإن امتنع من مارية ليمين تقدمت منه ، وهو قوله عليه الصلاة و السلام : والله لا أقربها بعد اليوم ، فقيل له : { لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ الله لَكَ } أي لم تمتنع منه بسبب اليمين ، يعني : أقدم على ما حلفت عليه ، وكفر عن يمينك . ونحوه قوله تعالى : { وحرّمنا عليه المراضع } [ القصص : 12 ] أي ؛ منعناه منها . وظاهر قوله تعالى : { قَدْ فَرَضَ الله لَكُمْ تَحِلَّةَ أيمانكم } أنه كانت منه يمين .
فإن قلت : هل كفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك ؟ قلت : عن الحسن : أنه لم يُكَفِّر ؛ لأنه كان مغفوراً له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر ، وإنما هو تعليم للمؤمنين . وعن مقاتل : أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق رقبة في تحريم مارية { والله مولاكم } سيدكم ومتولي أموركم { وَهُوَ العليم } بما يصلحكم فيشرعه لكم { الحكيم } فلا يأمركم ولا ينهاكم إلا بما توجبه الحكمة . وقيل : مولاكم أولى بكم من أنفسكم ، فكانت نصيحته أنفع لكم من نصائحكم لأنفسكم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.