سورة   التحريم
 
السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قَدۡ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمۡ تَحِلَّةَ أَيۡمَٰنِكُمۡۚ وَٱللَّهُ مَوۡلَىٰكُمۡۖ وَهُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ} (2)

ثم علل وبين ذلك بقوله تعالى : { قد فرض الله } أي : قدر ذو الجلال والإكرام الذي لا شريك له ولا أمر لأحد معه ، وعبر بالفرض حثاً على قبول الرخصة إشارة إلى أن ذلك لا يقدح في الورع ، ولا يخل بحرمة اسم الله تعالى لأن أهل الهمم العوالي لا يجوزون النقلة من عزيمة إلى رخصة ، بل من رخصة إلى عزيمة أو عزيمة إلى مثلها .

ولما كان التخفيف على أمته تعظيماً له صلى الله عليه وسلم قال تعالى : { لكم } أيتها الأمة التي أنت رأسها { تحلة } أي : تحليل { أيمانكم } بالكفارة المذكورة في سورة المائدة ، وقيل : قد شرع الله لكم الاستثناء في أيمانكم من قولك : حلل فلان في يمينه إذا استثنى بمعنى استثن في يمينك إذا أطلقتها بأن تقول : إن شاء الله متصلاً بحلفك ، وتنويه قبل الفراغ منه .

واختلف أهل العلم في لفظ التحريم ، فقال قوم : هو ليس بيمين ، فإن قال لزوجته : أنت حرام أو حرّمتك فإن نوى به طلاقاً فهو طلاق ، وإن نوى به ظهاراً فهو ظهار ، وإن نوى تحريم ذاتها وأطلق فعليه كفارة يمين وإن قال لطعام : حرمته على نفسي فلا شيء عليه ، وهذا قول ابن مسعود رضي الله عنه ، وإليه ذهب الشافعي .

وروى الدارقطني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه أتاه رجل فقال : إني جعلت امرأتي علي حراماً ، فقال : كذبت ليست عليك بحرام وتلا عليه هذه الآية . وذهب جماعة إلى أنه يمين فإن قال ذلك لزوجته أو جاريته فلا تجب الكفارة ما لم يقربها ، كما لو حلف لا يأكله فلا كفارة عليه ما لم يأكله ، يروى ذلك عن أبي بكر وعائشة ، وبه قال الأوزاعي وأبو حنيفة .

وعند أبي حنيفة إن نوى الطلاق بالحرام كان بائناً ، وإن قال : كل حلال عليه حرام فعلى الطعام والشراب إذا لم ينو ، وإلا فعلى ما نوى ، نقله الزمخشري . وعن عمر : إذا نوى الطلاق فرجعي ، وعن علي : ثلاث ، وعن زيد واحدة بائنة .

وعن ابن عباس رصي الله عنهما قال : إذا حرم الرجل امرأته فهي يمين يكفرها ، وقال : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة . قال مقاتل : فأعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الواقعة رقبة . قال زيد بن أسلم : وعاد إلى مارية ، وقال الحسن : لم يكفر عليه السلام لأنه مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وكفارة اليمين في هذه السورة إنما أمر بها الأمة . قال ابن عادل : والأول أصح ، وأن المراد بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ثم الأمة تقتدي به في ذلك { والله } أي : والحال أن المختص بأوصاف الكمال { مولاكم } أي : يفعل معكم فعل القريب الصديق فهو سيدكم ومتولي أموركم { وهو }أي : وحده { العليم } أي : البالغ العلم بمصالحكم وغيرها إلى ما لا نهاية له . { الحكيم } أي : الذي يضع كل ما يصدر عنه لكم في أتقن محاله بحيث لا يقدر غيره أن يغيره ولا شيئاً منه .