فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قَدۡ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمۡ تَحِلَّةَ أَيۡمَٰنِكُمۡۚ وَٱللَّهُ مَوۡلَىٰكُمۡۖ وَهُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ} (2)

{ قَدْ فَرَضَ الله لَكُمْ تَحِلَّةَ أيمانكم } أي شرع لكم تحليل أيمانكم وبيّن لكم ذلك ، وتحلة أصلها : تحللة ، فأدغمت . وهي من مصادر التفعيل كالتوصية والتسمية ، فكأن اليمين عقد ، والكفارة حلّ ، لأنها تحلّ للحالف ما حرّمه على نفسه . قال مقاتل : المعنى قد بيّن الله كفارة أيمانكم في سورة المائدة . أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يُكَفر يمينه ويراجع وليدته ، فأعتق رقبة . قال الزجاج : وليس لأحد أن يحرّم ما أحلّ الله .

قلت : وهذا هو الحقّ أن تحريم ما أحلّ الله لا ينعقد ولا يلزم صاحبه . فالتحليل والتحريم هو إلى الله سبحانه لا إلى غيره ، ومعاتبته لنبيه صلى الله عليه وسلم في هذه السورة أبلغ دليل على ذلك ، والبحث طويل ، والمذاهب فيه كثيرة ، والمقالات فيه طويلة ، وقد حققناه في مؤلفاتنا بما يشفي .

واختلف العلماء هل مجرّد التحريم يمين يوجب الكفارة أم لا ؟ وفي ذلك خلاف ، وليس في الآية ما يدلّ على أنه يمين ، لأن الله سبحانه عاتبه على تحريم ما أحله له ، ثم قال : { قَدْ فَرَضَ الله لَكُمْ تَحِلَّةَ أيمانكم } وقد ورد في القصة التي ذهب أكثر المفسرين إلى أنها هي سبب نزول الآية أنه حرّم أوّلاً ثم حلف ثانياً كما قدّمنا { والله مولاكم } أي وليكم وناصركم والمتولي لأموركم { وهو العليم } بما فيه صلاحكم وفلاحكم { الحكيم } في أفعاله وأقواله .

/خ5