فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَدۡ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمۡ تَحِلَّةَ أَيۡمَٰنِكُمۡۚ وَٱللَّهُ مَوۡلَىٰكُمۡۖ وَهُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ} (2)

{ قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } أي شرع لكم تحليل أيمانكم ، وبيّن لكم الخروج والخلاص منها بالكفارة ، وقول النسفي : أو شرع لكم الاستثناء في أيمانكم من قولك حلل فلان في يمينه إذا استثنى فيها ، وذلك أن يقول : إن شاء الله عقيبها حتى لا يحنث ، وتحريم الحلال يمين عندنا انتهى ، وتحلة أصلها تحللة فأدغمت وهي من مصادر التفعيل كالتوصية والتسمية ، فكأن اليمين عقد والكفارة حل لأنها تحل للحالف ما حرمه على نفسه ، قال مقاتل : المعنى قد بيّن الله كفارة أيمانكم في سورة المائدة ، أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يكفر يمينه ، ويراجع وليدته ، فأعتق رقبة ،

وعن الحسن أنه لم يكفر لأنه صلى الله عليه وسلم مغفور له ذكره المحلي والنسفي ، قال الزجاج : وليس لأحد أن يحرم ما أحل الله وهذا هو الحق ، إن تحريم ما أحل الله لا ينعقد ولا يلزم صاحبه ، فالتحليل والتحريم هو إلى الله سبحانه لا إلى غيره ، ومعاتبته لنبيه صلى الله عليه وسلم في هذه السورة أبلغ دليل على ذلك ، والبحث طويل ، والمذاهب فيه كثيرة ، والمقالات فيه طويلة وقد حققه الشوكاني في مؤلفاته بما يشفي ، وذكر رضي الله عنه في شرحه للمنتقي خمسة عشر قولا ، واختلف العلماء هل مجرد التحريم يمين توجب الكفارة أم لا ؟ وفي ذلك خلاف ، وليس في الآية ما يدل على أنه يمين ، لأن الله سبحانه عاتبه على تحريم ما أحله له ، ثم قال : قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ، وقد ورد في القصة التي ذهب أكثر المفسرين إلى أنها هي سبب نزول الآية حرم أولا ثم حلف ثانيا ، كما قدمنا .

عن ابن عباس قال : في الحرام يكفر ، قال : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } ، وعنه أنه جاءه رجل فقال : إني جعلت امرأتي عليّ حراما فقال كذبت ليست عليك بحرام ، ثم تلا { لم تحرم ما أحل الله لك } ؟ قال : عليك أغلظ الكفارات عتق رقبة .

" وعن عائشة قالت لما حرف أبو بكر أن لا ينفق على مسطح فأنزل الله { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } فأحل يمينه ، وأنفق عليه " أخرجه الحرث ابن أسامة .

{ والله مولاكم } أي وليكم وناصركم ، والمتولي لأموركم ، وقيل : مولاكم أولى بكم من أنفسكم ، فكانت نصيحته أنفع لكم من نصائحكم أنفسكم ذكره النسفي { وهو العليم } بما فيه صلاحكم وفلاحكم { الحكيم } في أقواله وأفعاله .