أهم ما اشتملت عليه هذه السورة الكريمة الكلام عن البعث والقيامة ، وإقامة الأدلة على وقوعها ، وتهديد من يكذب بهما ، وتكرير ذلك التهديد بالويل عشر مرات ، وتخويفه بما يذوق من الذلة والعذاب ، وتبشير المتقين بما يلقونه من الرفاهة والنعيم ، وختامها الويل للكافرين الذين لا مؤمنون بالقرآن .
1 - أقسم بالآيات المرسلة على لسان جبريل إلى محمد للعرف والخير ، فالآيات القاهرات لسائر الأديان الباطلة تنسفها نسفاً ، وبالآيات الناشرات للحكمة والهداية في قلوب العالمين نشراً عظيماً ، فالفارقات بين الحق والباطل فرقاً واضحاً ، فالملقيات على الناس تذكرة تنفعهم - إعذاراً لهم وإنذاراً - فلا تكون لهم حُجة : إن الذي توعدونه من مجيء يوم القيامة لنازل لا ريب فيه .
1- سورة " المرسلات " هي السورة السابعة والسبعون في ترتيب المصحف ، أما ترتيبها في النزول فهي السورة الثالثة والثلاثون ، وقد كان نزولها بعد سورة " الهمزة " ، وقبل سورة " ق " .
وهي من السور المكية الخالصة ، وقيل إن آية : [ وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ] مدنية ، وهذا القيل لا وزن له ، لأنه لا دليل عليه . وعدد آياتها : خمسون آية .
2- وقد ذكروا في فضلها أحاديث منها : ما أخرجه الشيخان عن عبد اله بن مسعود قال : بينما نحن مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار بمنى ، إذ نزلت عليه : " والمرسلات " ، فإنه ليتلوها ، وإني لأتلقاها من فيه ، وإن فاه لرطب بها . .
وعن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال : إن أم الفضل –امرأة العباس- سمعته يقرأ " والمرسلات عرفا " . فقالت : يا بني –ذكرتني بقراءتك هذه السورة . إنها لآخر ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب( {[1]} ) .
وسورة المرسلات زاخرة بالحديث عن أهوال يوم القيامة ، وعن أحوال المكذبين في هذا اليوم ، وعن مظاهر قدرة الله –تعالى- ، وعن حسن عاقبة المتقين . .
للمفسرين فى معنى هذه الصفات الخمس : " المرسلات والعاصفات والناشرات والفارقات والملقيات " اتجاهات ، فمنهم من صدر تفسيره ببيان أن المراد بها الملائكة . فقد قال صاحب الكشاف : أقسم الله بطوائف من الملائكة ، أرسلهن بأوامره فعصفن فى مضيهن كما تعصف الرياح ، تخففا فى امتثال أمره . وبطوائف منهن نشرن أجنحتهن فى الجو عند انحطاطهن بالوحى ، أو نشرن الشرائع فى الأرض . . ففرقن بين الحق والباطل ، فألقين ذكرا إلى الأنبياء عذرا ، للمحقين ، أو نذرا للمبطلين .
فإن قلت : ما معنى عرفا ؟ قلت : متتابعة كشعر العُرْفِ - أى : عرف الفرس - يقال : جاءوا عرفا واحدا ، وهم عليه كعرف الضبع : إذا تألبوا عليه . .
ومنهم من يرى أن المراد بالمرسلات وما بعدها : الرياح ، فقد قال الجمل فى حاشيته : أقسم الله - تعالى - بصفات خمس موصوفها محذوف ، فجعلها بعضهم الرياح فى الكل ، وجعلها بعضهم الملائكة فى الكل . . وغاير بعضهم فجعل الصفات الثلاث الأول ، الموصوف واحد هو الرياح وجعل الرابعة لموصوف ثان وهو الآيات ، وجعل الخامسة لموصوف ثالث وهو الملائكة . .
وسنسير نحن على هذا الرأى الثالث ، لأنه هو تصورنا أقرب الآباء إلى الصواب ، إذ أن هذه الصفات من المناسب أن يكون بعضها للرياح ، وبعهضا للملائكة .
فيكون المعنى : وحق الرياح المرسلات لعذاب المكذبين ، فتعصفهم عصفا ، وتهلكهم إهلاكا شديدا ، فقوله : { عَصْفاً } وصف مؤكد للإِهلاك الشديد ، يقال : عصفت الريح ، إذا اشتدت ، وعصفت الحرب بالقوم ، إذا ذهبت بهم ، وناقة عصوف ، إذا مضت براكبها مسرعة ، حتى لكأنها الريح .
تفسير سورة المرسلات{[1]}
بسم الله الرحمن الرحيم سورة المرسلات وهي مكية في قول جمهور المفسرين وحكى النقاش انه قيل إن فيها من المدني قوله ‘ وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون{[2]} ‘ المرسلات 48 على قول من قال إنها حكاية عن حال المنافقين في القيامة وإنها بمعنى قوله تعالى ‘ يدعون الى السجود فلا يستطيعون{[3]} ‘ القلم 42 وقال ابن مسعود نزلت هذه السورة ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحراء الحديث بطوله{[4]}
قال كثير من المفسرين : { المرسلات } ، الرسل إلى الناس من الأنبياء كأنه قال : والجماعات المرسلات ، وقال أبو صالح ومقاتل وابن مسعود : { المرسلات } الملائكة المرسلة بالوحي ، وبالتعاقب على العباد طرفي النهار ، وقال ابن مسعود أيضاً وابن عباس ومجاهد وقتادة : { المرسلات } ، الرياح ، وقال الحسن بن أبي الحسن : { المرسلات } السحاب و { عرفاً } معناه على القول الأول { عرفاً } من الله وإفضالاً{[11541]} على عباده ببعثه الرسل .
ومنه قول الشاعر : [ الحطيئة ] : [ البسيط ]
من يفعل الخير لا يعدمْ جوازيَهُ*** لا يذهب العرف بين الله والناس{[11542]}
ويحتمل أني ريد بقوله { عرفاً } أي متتابعة على التشبيه بتتابع عرف الفرس وأعراف الجبال ونحو ذلك ، والعرب تقول : الناس إلى فلان عرف واحد إذا توجهوا إليه ، ويحتمل أن يريد بالعرف أي بالحق ، والأمر بالمعروف ، وهذه الأقوال في عرف تتجه في قول من قال في { المرسلات } إنها الملائكة ، ومن قال إن { المرسلات } الرياح اتجه في العرف القول الأول على تخصيص الرياح التي هي نعمة وبها الأرزاق والنجاة في البحر وغير ذلك مما لا فقه فيه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.