{ سلام } قال عطاء : يريد : سلام على أولياء الله وأهل طاعته . وقال الشعبي : هو تسليم الملائكة ليلة القدر على أهل المساجد من حين تغيب الشمس إلى أن يطلع الفجر . وقال الكلبي : الملائكة ينزلون فيها كلما لقوا مؤمناً أو مؤمنة سلموا عليه من ربه حتى يطلع الفجر . وقيل : تم الكلام عند قوله :{ بإذن ربهم من كل أمر } ثم ابتدأ فقال : { سلام هي } أي : ليلة القدر سلام وخير كلها ، ليس فيها شر . قال الضحاك : لا يقدر الله في تلك الليلة ولا يقضي إلا السلامة . وقال مجاهد : يعني أن ليلة القدر سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءاً ، ولا أن يحدث فيها أذى . { حتى مطلع الفجر } أي : إلى مطلع الفجر ، قرأ الكسائي { مطلِع } بكسر اللام ، والآخرون بفتحها ، وهو الإخبار بمعنى الطلوع ، على المصدر ، يقال : طلع الفجر طلوعاً ومطلعاً ، والكسر موضوع الطلوع .
وقوله - تعالى - : { سَلاَمٌ هِيَ حتى مَطْلَعِ الفجر } بيان لمزية ثالثة من مزايا هذه الليلة ، وقوله { سَلاَمٌ } مصدر بمعنى السلامة ، وهو خبر مقدم ، و { هى } مبتدأ مؤخر ، وإنما قدم الخبر تعجيلا للمسّرة ، وقد أخبر عن هذه الليلة بالمصدر على سبيل المبالغة ، أو على سبيل تأويل المصدر باسم الفاعل ، أو على تقدير مضاف . . والمراد بمطلع الفجر : طلوعه وبزوغه .
أى : هذه الليلة يظلها ويشملها السلام المستمر ، والأمان الدائم ، لكل مؤمن يحييها فى طاعة الله - تعالى - إلى أن يطلع الفجر ، أو هى ذات سلامة حتى مطلع الفجر ، أو هى سالمة من كل أذى وسوء لكل مؤمن ومؤمنة حتى طلوع الفجر .
هذا وقد أفاض العلماء فى الحديث عن فضائل ليلة القدر ، وعن وقتها . وعن خصائصها . . وقد لخص الإِمام القرطبى ذلك تلخيصا حسناً فقال : وهنا ثلاث مسائل :
الأولى : فى تعيين ليلة القدر . . والذى عليه المعظم أنها ليلة سبع وعشرين . . والجمهور على أنها فى كل عام من رمضان . . وقيل : أخفاها - سبحانه - فى جميع شهر رمضان ، ليجتهدوا فى العمل والعبادة طمعا فى إدراكها .
الثانية : فى علاماتها : ومنها أن تطلع الشمس فى صبيحتها بيضاء لاشعاع لها .
الثالثة : فى فضائلها . . وحسبك قوله - تعالى - { لَيْلَةُ القدر خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } وقوله : { تَنَزَّلُ الملائكة والروح فِيهَا } وفى الصحيحين " من قام ليلة القدر إيماناً واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه . . " .
نسأل الله - تعالى - أن يجعلنا من المنتفعين بهذه الليلة المباركة .
وجملة : { سلام هي حتى مطلع الفجر } بيان لمضمون { من كل أمر } وهو كالاحتراس لأنّ تنزّل الملائكة يكون للخير ويكون للشر لعقاب مكذبي الرسل قال تعالى : { ما تنزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذاً منظرين } [ الحجر : 8 ] وقال : { يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين } [ الفرقان : 22 ] . وجُمع بين إنزالهم للخير والشر في قوله : { إذ يُوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق } [ الأنفال : 12 ] الآية ، فأخبر هنا أن تنزل الملائكة ليلة القدر لتنفيذ أمر الخير للمسلمين الذين صاموا رمضان وقاموا ليلة القدر ، فهذه بشارة .
والسلام : مصدر أو اسم مصدر معناه السلامة قال تعالى : { قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم } [ الأنبياء : 69 ] . ويطلق السلام على التحية والمِدحة ، وفسر السلام بالخَيْر ، والمعنيان حاصلان في هذه الآية ، فالسلامة تشمل كل خير لأن الخيْر سلامة من الشر ومن الأذى ، فيشمل السلامُ الغفرانَ وإجزال الثواب واستجابة الدعاء بخير الدنيا والآخرة . والسلام بمعنى التحية والقول الحسن مراد به ثناء الملائكة على أهل ليلة القدر كدأبهم مع أهل الجنة فيما حكاه قوله تعالى : { والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار } [ الرعد : 23 ، 24 ] .
وتنكير { سلام } للتعظيم . وأخبر عن الليلة بأنها سلام للمبالغة لأنه إخبار بالمصدر .
وتقديم المسند وهو { سلام } على المسند إليه لإِفادة الاختصاص ، أي ما هي إلا سلام . والقصر ادعائي لعدم الاعتداد بما يحصل فيها لغير الصائمين القائمين ، ثم يجوز أن يكون { سلام هي } مراداً به الإِخبار فقط ، ويجوز أن يراد بالمصدر الأمرُ ، والتقدير : سلِّمُوا سلاماً ، فالمصدر بدل من الفعل وعدل عن نصبه إلى الرفع ليفيد التمكن مثل قوله تعالى : { قالوا سلاماً قال سلام } [ الذاريات : 25 ] . والمعنى : اجعلوها سلاماً بينكم ، أي لا نزاع ولا خصام . ويشير إليه ما في الحديث الصحيح : « خرجتُ لأخْبِرَكم بليلة القدر فتلاحَى رجلان فرُفِعَتْ وعسى أن يكون خيراً لكم فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة » .
و{ حتى مطلع الفجر } غاية لما قبله من قوله : { تنزل الملائكة } إلى { سلام هي } .
والمقصود من الغاية إفادة أن جميع أحيان تلك الليلة معمورة بنزول الملائكة والسلامة ، فالغاية هنا مؤكدة لمدلول { ليلة } [ القدر : 1 ] لأن الليلة قد تطلق على بعض أجزائها كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم « من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذَنْبه » أي من قام بعضها ، فقد قال سعيد بن المسيب : من شهد العشاء من ليلة القدر فقد أخذ بحَظه منها . يريد شهدها في جماعة كما يقتضيه فعل شهد ، فإن شهود الجماعة من أفضل الأعمال الصالحة .
وجيء بحرف { حتى } لإِدخال الغاية لبيان أن ليلة القدر تمتد بعد مطلع الفجر بحيث إن صلاة الفجر تعتبر واقعة في تلك الليلة لئلا يتوهم أن نهايتها كنهاية الفِطر بآخر جزء من الليل ، وهذا توسعة من الله في امتداد الليلة إلى ما بعد طلوع الفجر .
ويستفاد من غاية تَنَزُّلِ الملائكة فيها ، أن تلك غاية الليلة وغاية لما فيها من الأعمال الصالحة التابعة لكونها خيراً من ألف شهر ، وغاية السلام فيها .
وقرأ الجمهور : { مطلع } بفتح اللام على أنه مصدر ميمي ، أي طلوع الفجر ، أي ظهوره . وقرأه الكسائي وخَلف بكسر اللام على معنى زمان طلوع الفجر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.