الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{سَلَٰمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطۡلَعِ ٱلۡفَجۡرِ} (5)

قوله تعالى : { سَلاَمٌ هِيَ } فيه وجهان ، أحدُهما : أنَّ " هي " ضمير الملائكة ، و " سلام " بمعنى التسليم ، أي : الملائكة ذاتُ تَسْليمٍ على المؤمنين . وفي التفسير : أنهم يُسَلِّمون تلك الليلةَ على كلِّ مؤمنِ ومؤمنة بالتحية . والثاني : أنها ضميرُ ليلةِ القَدْرِ ، وسلامٌ بمعنى سَلامة ، أي : ليلةُ القَدْرِ ذاتُ سلامةٍ مَنْ شيءٍ مَخوفٍ . ويجوزُ على كلٍ من التقديرَيْن أَنْ يرتفعَ " سلامٌ " على أنه خبرٌ مقدمٌ ، و " هي " مبتدأٌ مؤخرٌ ، وهذا هو المشهورُ ، وأنْ يرتفع بالابتداء و " هي " فاعلٌ به عند الأخفشِ ، لأنه لا يَشْتَرِطُ الاعتمادَ في عَمَلِ الوصفِ . وقد تقدَّم أَنْ بعضَهم يجعلُ الكلامُ تامَّاً على قولِه { بِإِذْنِ رَبِّهِم } ويُعَلِّقُ " مِنْ كلِّ أمرٍ " بما بعدَه ، وتقدَّم تأويلُه .

وقال أبو الفضل : " وقيل : معناه : هي سلامٌ مِنْ كلِّ أمرٍ أو امرئٍ ، أي : سالمةٌ أو مُسَلَّمةٌ منه . ولا يجوزُ أَنْ يكونَ " سلامٌ " - هذه اللفظةُ الظاهرةُ التي هي المصدر - عاملاً فيما قبله لامتناع تقدُّمِ معمولِ المصدرِ على المصدرِ ، كما أنَّ الصلةَ كذلك ، لا يجوزُ تقديمُها على الموصول " انتهى . وقد تقدَّم أنَّ معنى ذلك عند هذا القائلِ أَنْ تتعلَّقَ بمحذوفٍ مَدْلولٍ عليه ب " سَلام " فهو تفسيرُ معنىً لا تفسيرُ إعرابٍ . وما يُرْوَى عن ابنِ عباس أنَّ الكلامَ تَمَّ على قولِه تعالى { سلامٌ } ويُبْتدأ ب " هي " على أنَّها خبرُ مبتدأ ، والإِشارةُ ب " ذلك " إلى أنها ليلةُ السابعِ والعشرين ، لأن لفظةَ " هي " سابعةٌ وعشرون مِنْ كَلِمِ هذه السورةِ ، وكأنَّه قيل : ليلةُ القدر الموافقةُ في العددِ لفظةَ " هي " مِنْ كِلَمِ هذه السورةِ ، فلا ينبغي أن يُعْتَقَدَ صحتُه لأنه إلغازٌ وتبتيرٌ لنَظْم فصيحِ الكلامِ .

قوله : { هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ } متعلِّقٌ ب " تَنَزَّلُ " أو ب " سَلامٌ " ، وفيه إشكالٌ للفَصْلِ بين المصدرِ ومعمولِه بالمبتدأ ، إلاَّ يُتَوَسَّعَ في الجارِّ . وفي التفسير : أنهم لا يَزالون يُحَيُّون الناس المؤمنين حتى يَطْلُعَ الفجرُ . وقرأ الكسائي " مَطْلِعِ " بكسر اللام ، والباقون بفتحها ، والفتح هو القِياسُ ، والكسرُ سماعٌ ، وله أخوات يُحْفَظُ فيها الكسرُ ممَّا ضُمَّ مضارعُه أو فُتح نحو : المَشْرِق والمَجْزِر . وهل هما مصدران أو المفتوحُ مصدرٌ والمكسور مكانٌ ؟ خِلافٌ . وعلى كلِّ تقديرٍ فالقياسُ في المَفْعِل مطلقاً مِمَّا ضُمَّتْ عينُ مضارعِه أو فُتِحَتْ فَتْح العينِ ، وإنما يقعُ الفرقُ في المكسور العينِ الصحيح نحو : يَضْرِب .