غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{سَلَٰمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطۡلَعِ ٱلۡفَجۡرِ} (5)

1

ومعنى { سلام هي } أن هذه الليلة ما هي إلا سلامة وخير ، فأما سائر الليالي فيكون فيها بلاء وسلامة ، أو ما هي إلا سلام لكثرة سلام الملائكة على المؤمنين . وقال أبو مسلم : يعني أن هذه الليلة ما هي إلا سلامة عن الرياح المزعجة والصواعق ونحوها ، أو هي سلامة عن تسلط الشيطان وجنسه ، أو سالمة عن تفاوت العبادة في شيء من أجزائها بخلاف سائر الليالي ، فإن الفرض فيها يستحب في الثلث الأول . والنفل في الأوسط ، والدعاء في السحر ، والمطلع بالفتح المصدر بمعنى الطلوع ، وبالكسر اسم زمان أو مصدر عند بعضهم ، ومنهم أبو علي . هذا ما تقرر عندنا وعند سائر العلماء في تفسير هذه السورة الشريفة ، وأقول أيضاً في تأويله : يمكن أن يفهم من ليلة القدر طرف الأزل من الامتداد الوهمي الزماني قدر فيه ما كان وما سيكون إلى يوم الدين ؛ بل إلى الأبد ، وإنما عبر عنه بالليلة ؛ لأن الأشياء كلها إذ ذاك في حيز العدم أو الخفاء " كنت كنزاً مخفياً " ، وإنما كانت خيراً من ألف شهر ؛ بل من ثلاثين ألف ليلة ؛ بل من ثلاثين ألف سنة كما قال :{ وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون } [ الحج :47 ] وهي الدور الأعظم ، دور الثواب لما تقرر في المعقول والأصول أن العناية الأزلية هي الكفاية الأبدية ، ولهذا كانت الأمور بخواتيمها " وكل ميسر لما خلق له " ، فلو لم يكن للشخص سعادة مقدرة في الأزل لم تفده الطاعة ثلاثين ألف سنة وأكثر ، فإنزال القرآن في هذه الليلة عبارة عن الإحصاء في اللوح المحفوظ والإمام المبين ، وهو في وقت صدور الروح الأعظم والملائكة المقربين بسبب كل أمر هو كن من غير توسط مادة ومدة ، ولكنها سالمة عن شوائب الجسمانية والعلائق الجرمانية إلى ظهور فجر عالم الأشباح الظاهرة للحواس المعرضة للتعهد والقوى ، وإليه المصير والمآب .

/خ5