قوله تعالى : { وإنا لجميع حاذرون } قرأ أهل الحجاز والبصرة : حذرون وفرهين بغير ألف ، وقرأ الآخرون حاذرون وفارهين بالألف فيهما ، وهما لغتان . وقال أهل التفسير : حاذرون ، أي مؤدون ومقوون ، أي : ذوو أداة وقوة مستعدون شاكون في السلاح ، ومعنى حذرون أي : خائفون شرهم . وقال الزجاج : الحاذر : المستعد ، والحذرة : المستيقظ . وقال الفراء : الحاذر : الذي يحذرك الآن ، والحذر : المخوف . وكذلك لا تلقاه إلا حذراً ، والحذر : اجتناب الشيء خوفاً منه .
{ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ } أى : متيقظون لمكائدهم ، ومحتاطون لمكرهم ، وممسكون بزمام الأمور حتى لا يؤثر فينا خداعهم .
يقال : حذر فلان حذرا - من باب تعب - بمعنى : استعد للأمر وتأهب له بيقظة . .
وكلام فرعون هذا - الذى حكاه القرآن عنه - يوحى بهلعه وخوفه مما فعله موسى - عليه السلام - إلا أنه أراد أن يستر هذا الهلع والجزع بالتهوين من شأنه ومن شأن الذين خرجوا معه وبتحريض قومه على اللحاق بهم وتأديبهم ، وبالظهور بمظهر المستعد هو وقومه لمجابهة الأخطار والتمرد بكل قوة وحزم .
قال صاحب الكشاف : والمعنى : أنهم - أى موسى ومن معه - لقلتهم لا يبالى بهم ، ولا يتوقع غلبتهم وعلوهم ، ولكنهم يفعلون أفعالا تغيظنا ، ونحن قوم من عادتنا التيقظ والحذر واستعمال الحزم فى الأمور ، فإذا خرج علينا خارج سارعنا إلى حسم فساده ، وهذه معاذير اعتذر بها إلى أهل المدائن لئلا يظن به ما يكسر من قهره وسلطانه ، وقرىء : حذرون .
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «حذرون » وهو جمع حذر وهو المطبوع على الحذر وهو هاهنا غير عامل ، وكذلك هو في قول أبي أحمر : [ السريع ]
هل ينسئن يومي إلى غيره . . . أنى حوالى وإني حذر{[8931]}
واختلف في عمل فعل فقال سيبويه إنه عامل وأنشد : [ الكامل ]
حذر أموراً لا تضير وآمن . . . ما ليس منجيه من الأقدار{[8932]}
وادعى اللاحقي تدليس هذا البيت على سيبويه ، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي «حاذرون » وهو الذي أخذ يحذر{[8933]} ، وقال عباس بن مرداس : [ الوافر ]
وأني حاذر أنهي سلاحي . . . إلى أوصال ذيال صنيع{[8934]}
وقرأ ابن أبي عمارة{[8935]} وسميط بن عجلان «حادرون » بالدال غير منقوطة من قولهم عين حدرة أي معينة فالمعنى ممتلئون غضباً وأنفة{[8936]} .
قوله : { وإنا لجميع حاذرون } حثّ لأهل المدائن على أن يكونوا حَذِرين على أبلغ وجه إذ جعل نفسه معهم في ذلك بقوله : { لجميع } وذلك كناية عن وجوب الاقتداء به في سياسة المملكة ، أي إنا كلَّنا حَذرُون ، ف { جميع } وقع مبتدأ وخبرُه { حاذرون } ، والجملة خبر { إنَّ } ، و ( جميع ) بمعنى : ( كل ) كقوله تعالى : { إليه مرجعكم جميعاً } في سورة يونس ( 4 ) .
و { حَاذِرون } قرأه الجمهور بدون ألف بعد الحاء فهو جمع حَذِر وهو من أمثلة المبالغة عند سيبويه والمحققين . وقرأه حمزة وعاصم والكسائي وابن ذكوان عن ابن عامر وخلف بألف بعد الحاء جمع ( حَاذر ) بصيغة اسم الفاعل . والمعنى : أن الحَذَر من شيمته وعادته فكذلك يجب أن تكون الأمة معه في ذلك ، أي إنا من عادتنا التيقظ للحوادث والحَذرُ مما عسى أن يكون لها من سيّىء العواقب .
وهذا أصل عظيم من أصول السياسة وهو سدّ ذرائع الفساد ولو كان احتمالُ إفضائها إلى الفساد ضعيفاً ، فالذرائع الملغاة في التشريع في حقوق الخصوص غير ملغاة في سياسة العموم ، ولذلك يقول علماء الشريعة : إن نظر ولاة الأمور في مصالح الأمة أوسع من نظر القضاة ، فالحذر أوسع من حفظ الحقوق وهو الخوف من وقوع شيء ضار يمكن وقوعه ، والترصدُ لِمنع وقوعه ، وتقدم في قوله { يَحْذَر المنافقون } في براءة ( 64 ) . والمحمود منه هو الخوف من الضارّ عند احتمال حدوثه دون الأمر الذي لا يمكن حدوثه فالحذرُ منه ضرب من الهوس .
وهذا يرجح أن يكون المحذور هو الاغترار بإيمان السحرة بالله وتصديق موسى ويبعِّد أن يكون المراد خروج بني إسرائيل من مصر لأنه حينئذ قد وقع فلا يحذر منه وإنما يكون السعي في الانتقام منهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.