قوله تعالى : { ولا تركنوا إلى الذين ظلموا } ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : ولا تميلوا . والركون : هو المحبة والميل بالقلب . وقال أبو العالية : لا ترضوا بأعمالهم . قال السدي : لا تداهنوا الظلمة . وعن عكرمة : لا تطيعوهم . وقيل لا تسكنوا إلى الذين ظلموا . { فتمسكم } فتصيبكم ، { النار وما لكم من دون الله من أولياء } ، أي : أعوان يمنعونكم من عذابه ، { ثم لا تنصرون } .
ثم نهى - سبحانه - بعد ذلك عن الميل إلى الظالمين فقال : { وَلاَ تركنوا إِلَى الذين ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النار وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ الله مِنْ أَوْلِيَآءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } .
والركون إلى الشئك الميل إليه . يقال ركن فلان إلى فلان ، إذا مال إليه بقلبه ، واعتمد عليه فى قضاء مصالحه .
والمراد بالذين ظلموا هنا : ما يتناول المشركين وغيرهم من الظالمين الذين يعتدون على حقوق الغير ، ويستحلون من محارم الله .
والمعنى : واحذروا - أيها المؤمنون - أن تميلوا إلى الظالمين ، أو تسكنوا إليهم ؛ لأن ذلك يؤدى إلى تقوية جانبهم . وإضعاف جانب الحق والعدل .
قال بعض العلماء : ويستثنى من ذلك للضرورة صحبة الظالم على التقية مع حرمة الميل القلبى إليه .
وقوله { فَتَمَسَّكُمُ النار } أى فتصيبكم النار بسبب ميلكم إليهم ، والاعتماد عليهم ، والرضا بأفعالهم .
وقوله { وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ الله مِنْ أَوْلِيَآءَ } فى موضع الحال من ضمير { تمسكم } .
أى : والحال أنه ليس لكم من غير الله من نصراء ينصرونكم من العذاب النازل بكم ، بسبب ركونكم إلى الذين ظملوا ومجالستهم وزيارتهم ومداهنتهم .
وثم فى قوله { ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } للتراخى الرتبى . أى ثم لا تجدون بعد ذلك من ينصركم بأى حال من الأحوال ، لأن الظالمين ما لهم من أنصار .
قال بعض العلماء : الآية أبلغ ما يتصور فى النهى عن الظلم ، والتهديد عليه ، لأن هذا الوعيد الشديد إذا كان فيمن يركن إلى الذين ظلموا فكيف يكون حال من ينغمس فى حمأته ؟ ! !
ثم قال : وقد وسع العلماء فى ذلك وشددوا ، والحق أن الحالات تختلف ، والأعمال بالنيات ، والتفصيل أولى .
فإن كانت المخالطة لدفع منكر ، أو للاستعانة على إحقاق الحق ، أو الخير . فلا حرج فى ذلك . وإن كانت لإِيناسهم وإقرارهم على ظلمهم فلا . . .
وقوله : { وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا } قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : لا تُدهنُوا وقال العوفي ، عن ابن عباس : هو الركون إلى الشرك .
وقال أبو العالية : لا ترضوا أعمالهم .
وقال ابن جُرَيْج ، عن ابن عباس : ولا تميلوا إلى الذين ظلموا وهذا القول حسن ، أي : لا تستعينوا بالظلمة فتكونوا كأنكم قد رضيتم بباقي صنيعهم ، { فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ } أي : ليس لكم من دونه{[14938]} من ولي ينقذكم ، ولا ناصر يخلصكم من عذابه .
وقرأ الجمهور «تعملون » بتاء ، وقرأ الحسن والأعمش «يعملون » بياء من تحت - وقرأ الجمهور : «ولا تركَنوا » بفتح الكاف ، وقرأ طلحة بن مصرف وقتادة والأشهب العقيلي وأبو عمرو - فيما روى عنه هارون - بضمها ، وهو لغة ، يقال : ركن يركَن وركن يركُن{[6527]} ، ومعناه السكون ، إلى شيء والرضا به قال أبو العالية : «الركون » : الرضا . قال ابن زيد : «الركون » : الإدمان .
قال القاضي أبو محمد : فالركون يقع على قليل هذا المعنى وكثيره ، والنهي هنا يترتب من معنى الركون على الميل إليهم بالشرك معهم إلى أقل الرتب من ترك التغيير عليهم مع القدرة ، و { الذين ظلموا } هنا هم الكفار ، وهو النص للمتأولين ، ويدخل بالمعنى أهل المعاصي .
وقرأ الجمهور «فتَمسكم » ، وقرأ يحيى وابن وثاب وعلقمه والأعمش وابن مصرف وحمزة - فيما روي عنه - «فتِمسكم » بكسر التاء وهي لغة في كسر العلامات الثلاث دون الياء التي للغائب ، وقد جاء في الياء يِيجل ويِيبى ، وعللت هذه بأن الياء التي وليت الأولى ردتها إلى الكسر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.