السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَا تَرۡكَنُوٓاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِيَآءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ} (113)

{ ولا تركنوا } ، أي : تميلوا { إلى الذين ظلموا } أدنى ميل { فتمسكم النار } ، أي : تصيبكم بحرها والنهي متناول للانحطاط في هواهم والانقطاع إليهم ومصاحبتهم ومجالستهم وزيارتهم ومراقبتهم والرضا بأعمالهم والتشبيه بهم والتزيي بزيهم ومد العين إلى زهرتهم وذكرهم بما فيه تعظيم لهم ، وتأمل قوله تعالى :{ ولا تركنوا } فإنّ الركون هو الميل اليسير . وحكي أنّ الموفق صلى خلف الإمام فقرأ بهذه الآية فغشي عليه فلما أفاق قيل له في ذلك فقال : هذا فيمن ركن إلى من ظلم فكيف بالظالم !

ولما خالط الزهري السلاطين كتب إليه أخ له في الدين : عافانا الله وإياك أبا بكر من الفتن فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك أن يدعو الله لك ويرحمك ، أصبحت شيخاً كبيراً وقد أثقلتك نعم الله تعالى بما فهمك من كتابه وعلمك من سنة نبيه ، وليس كذلك أخذ الله الميثاق على العلماء قال الله سبحانه وتعالى : { لتبيننه للناس ولا تكتمونه } [ آل عمران ، 187 ] واعلم أنّ أيسر ما ارتكبت وأخف ما احتملت أنك آنست وحشة الظالم وسهلت سبيل الغيّ بدونك ممن لم يؤد حقاً ولم يترك باطلاً ، حين أدناك اتخذوك قطباً تدور عليك رحى باطلهم وجسراً يعبرون عليك إلى ملاذهم وسلّماً يصعدون فيك إلى ضلالهم ، يدخلون بك الشك على العلماء ويقتادون بك قلوب الجهلاء ، فما أيسر ما أعمروا لك في جنب ما خربوا عليك ، وما أكثر ما أخذوا منك فيما أفسدوا عليك من دينك ، فما يؤمنك أن تكون ممن قال الله تعالى فيهم : { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً } [ مريم ، 59 ] فإنك تعامل من لا يجهل ويحفظ عليك من لا يغفل ، فداوِ دينك فقد دخله سقم ، وهيئ زادك فقد حضر السفر البعيد ، وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء والسلام .

وقال سفيان : في جهنم واد لا يسكنه إلا القرّاء الزائرون للملوك . وعن الأوزاعي ما من شيء أبغض إلى الله تعالى من عالم يزور عاملاً ، أي : من الظلمة . وعن محمد بن سلمة : الذباب على العذرة أحسن من قارئ على باب هؤلاء . قال صلى الله عليه وسلم : «من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصي الله في أرضه » . ولقد سئل سفيان عن ظالم أشرف على الهلاك في برية هل يسقى شربة ماء فقال : لا فقيل له : يموت ، فقال : دعه يموت .

وقوله تعالى : { وما لكم من دون الله من أولياء } ، أي : أعواناً وأنصاراً يمنعوكم من عذابه حال من قوله : { فتمسكم النار } ، أي : فتمسكم النار وأنتم على هذه الحالة { ثم لا تنصرون } ، أي : لا تجدون من ينصركم ويخلصكم من عذاب الله في القيامة . ففي هذه الآية وعيد لمن ركن إلى الظلمة بأن تمسه النار فكيف يكون حال الظالم في نفسه .