اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَا تَرۡكَنُوٓاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِيَآءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ} (113)

قوله تعالى : { وَلاَ تركنوا } قرأ العامَّةُ بفتح التَّاءِ والكاف ، والماضي من هذا " رَكِن " بكسر العين ك " عَلِمَ ، وهذه الفصحى ، كذا قال الأزهريُّ وقال غيره : " وهي لغةُ قريش " وقرأ أبو عمرو في رواية : " تِرْكَنُوا " بكسر حرف المضارعة وقد تقدَّم ذلك في قوله : " نَسْتعِينُ " {[19052]} .

وقرأ قتادةُ ، وطلحةُ ، والأشهب ، ورويت عن أبي عمرو " تَرْكُنُوا " بضمِّ العين وهو مضارع " رَكَنَ " بفتحها ك : قَتَلَ يَقْتُل ، وقال بعضهم : هو من التَّداخُلِ ، يعني من نطق ب " رَكَنَ " بكسر العين قال : " يَرْكُن " بضمها ، وكان من حقِّه أن يفتحَ ، فلما ضمّ علمنا أنه استغنى بلغةِ غيره في المضارع عن لغته ، وأمَّا في هذه القراءةِ فلا ضرورة بنا إلى ادِّعاءِ التَّداخُل ، بل ندَّعي أنَّ من فتح الكاف أخذه من : " رَكِنَ " بالكسرِ ، ومن ضمَّها أخذه من " رَكَنَ " بالفتح ، ولذلك قال الراغبُ : " والصحيحُ أن يقال : رَكِنَ يَرْكَنُ ورَكَنَ يَرْكُنُ بالكسر في الماضي مع الفتح في المضارع ، وبالفتح في الماضي مع الضمِّ في المضارع " . وشذَّ أيضاً قولهم : رَكَن يَرْكَن بالفتح فيهما ، وهو التداخل ؛ فتحصًّل من هذا أنَّه قال : " رَكِنَ " بكسر العين وهي اللغة العالية كا تقدَّم ، و " ركَنَ " بفتحها ، وهي لغة قيس وتميم ، وزاد الكسائيُّ : " ونَجْد " وفي المضارع ثلاثٌ : الفتحُ ، والكسرُ ، والضمُّ . وقرأ ابنُ أبي{[19053]} عبلة : " تُرْكَنُوا " مبنياً للمفعول من : أرْكَنَهُ إذا أمالهُ ، فهو من باب " لا أرَيَنَّكَ ههنا " و{ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ } الأعراف : 2 ] وقد تقدم .

والرُّكُونُ : المَيْلِ ، ومنه الرُّكْنُ للاستنادِ إليه .

قوله : { فَتَمَسَّكُمُ } منصوبٌ بإضمار " أنْ " في جوابِ النهي . وقرأ ابنُ وثاب{[19054]} وعلقمةُ ، والأعمشُ في آخرين " فَتِمَسَّكُمُ " بكسر التَّاءِ .

قوله : { وَمَا لَكُمْ } هذه الجملةُ يجوزُ أن تكون حاليةً ، أي : تَمَسَّكم حال انتفاءِ ناصركم .

ويجوز أن تكون مستأنفة و " مِنْ أولياءَ " " مِنْ " فيه زائدةٌ ، إمَّا في الفاعل ، وإمَّا في المبتدأ ، لأنَّ الجارَّ إذا اعتمد على أشياءَ- أحدها النَّفيُ- رفع الفاعل .

قوله : { ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } العامَّةُ على ثبوتِ نُون الرَّفعِ ؛ لأنه مرفوع ، إذ هو من باب عطف الجمل ، عطف جملة فعلية على جملة اسميةَ . وقرأ زيد بن علي{[19055]} - رضي الله عنهما- بحذف نون الرفع ، عطفه على " تمسَّكُم " ، والجملةُ على ما تقدَّم من الحاليةِ أو الاستئناف ، فتكون معترضةً ، وأتى ب " ثمَّ " تنبيهاً على تباعد الرُّتْبَة .

فصل

معنى الآية : قال ابن عبَّاسٍ- رضي الله عنهما- : " ولا تميلُوا " {[19056]} .

والرُّكُونُ : هو المحبَّة والميل بالقلب . وقال أبو العاليةِ : لا ترضوا بأعمالهم{[19057]} .

وقال السدي : لا تداهِنُوا الظَّلمة{[19058]} .

وعن كرمة : لا تطيعوهم{[19059]} وقيل لا تسكنوا إلى الذين ظلمُوا " فتَمسَّكُم " ، فتصيبكم " النَّارُ وما لَكُم من دُونِ الله من أولياءَ " أي : ليس لكم أولياء ولا أعوان يخلصونكم من عذاب الله ، ثُمَّ لا تجدُوا من ينصركُمْ .


[19052]:ينظر: المحرر الوجيز 3/212 والبحر المحيط 5/268 والدر المصون 4/144.
[19053]:ينظر: الكشاف 2/433 والبحر المحيط 5/268 والدر المصون 4/144، 145.
[19054]:وقرأ بها أيضا يحيى وحمزة ينظر: المحرر الوجيز 3/212 والبحر المحيط 5/269 ولم يذكر يحيى وينظر: الدر المصون 4/145.
[19055]:ينظر: البحر المحيط 5/269 والدر المصون 4/145.
[19056]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (7/124) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (3/637) وزاد نسبته إلى ابن المنذر.
[19057]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (7/124) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (3/637) وعزاه إلى أبي الشيخ.
[19058]:ذكره البغوي في "تفسيره" (2/404).
[19059]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (3/637) وعزاه إلى أبي الشيخ عن عكرمة.