البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَا تَرۡكَنُوٓاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِيَآءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ} (113)

قال ابن عباس : معنى الركون الميل .

وقال السدي ، وابن زيد : لا تداهنوا الظلمة .

وقال قتادة : لا تلحقوا بهم .

وقال سفيان : لا تدنوا إلى الذين ظلموا .

وقال أبو العالية : لا ترضوا أعمالهم ، وقيل : لا تجالسوهم ، وقال جعفر الصادق : إلى الذين ظلموا إلى أنفسكم فإنها ظالمة ، وهذا شبيه بتفسير الباطنية .

وقيل : لا تتشبهوا بهم .

وقرأ الجمهور : تركنوا بفتح الكاف ، والماضي ركن بكسرها ، وهي لغة قريش .

وقال الأزهري : هي اللغة الفصحى .

وعن أبي عمرو : بكسر التاء على لغة تميم في مضارع علم غير الياء .

وقرأ قتادة ، وطلحة ، والأشهب ، ورويت عن أبي عمر : وتركنوا بضم الكاف ماضي ركن بفتحها ، وهي لغة قيس وتميم ، وقال الكسائي : وأهل نجد .

وشذ يركن بفتح الكاف ، مضارع ركن بفتحها .

وقرأ ابن أبي عبلة : ولا تركنوا مبنياً للمفعول من أركنه إذا أماله ، والنهي متناول لانحطاط في هواهم ، والانقطاع إليهم ، ومصاحبتهم ، ومجالستهم ، وزيارتهم ، ومداهتنهم ، والرضا بأعمالهم ، والتشبه بهم ، والتزيي بزيهم ، ومد العين إلى زهرتهم ، وذكرهم بما فيه تعظيم لهم .

وتأمّل قوله : ولا تركنوا ، فإن الركون هو الميل اليسير .

وقوله : إلى الذين ظلموا ، أي الذين وجد منهم الظلم ، ولم يقل الظالمين ، قاله : الزمخشري .

وقال ابن عطية : ومعناه السكون إلى الشيء والرضا به .

قال أبو العالية : الركون الرضا .

وقال ابن زيد : الركون الإدهان ، والركون يقع في قليل هذا وكثيره .

والنهي هنا يترتب من معنى الركون عن الميل إليهم بالشرك معهم إلى أقل الرتب ، من ترك التعبير عليهم مع القدرة ، والذين ظلموا هنا هم الكفرة ، وهو النص للمتأولين ، ويدخل بالمعنى أهل المعاصي انتهى .

وقال سفيان الثوري : في جهنم واد لا يسكنه إلا القراء الزائرون الملوك .

وسئل سفيان عن ظالم أشرف على الهلاك في برية هل يسقى شربة ماء ؟ فقال : لا .

فقيل له : يموت ، فقال : دعه يموت .

وفي الحديث : « من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله في أرضه » وكتب إلى الزهري حين خالط السلاطين أخ له في الدين كتاباً طويلاً قرّعه فيه أشد التقريع ، يوقف عليه في تفسير الزمخشري .

وقرأ ابن وثاب ، وعلقمة ، والأعمش ، وابن مصرف ، وحمزة فيما روي عنه : فتمسكم بكسر التاء على لغة تميم ، والمس كناية عن الإصابة .

وانتصب الفعل في جواب النهي ، والجملة بعدها حال .

ومعنى من أولياء ، من أنصار يقدرون على منعكم من عذابه .

ثم لا تنصرون قال الزمخشري : ثم لا ينصركم هو لأنه وجب في حكمته تعذيبكم ، وترك الإبقاء عليكم .

( فإن قلت ) : ما معنى ؟ ثم قلت : معناها الاستبعاد ، لأنّ النصرة من الله مستبعدة مع استيجابهم العذاب وقضاء حكمته له انتهى ، وهي ألفاظ المعتزلة .

وقرأ زيد بن علي : ثم لا تنصروا بحذف النون ، والفعل منصوب عطفاً على قوله : فتمسكم ، والجملة حال ، أو اعتراض بين المتعاطفين .