1- سورة " التكاثر " من السور المكية ، وسميت في بعض المصاحف سورة " ألهاكم " ، وكان بعض الصحابة يسمونها " المَقبُرة " .
قال القرطبي : وهي مكية في قول المفسرين . وروى البخاري أنها مدنية ، وهي ثماني آيات .
وقد ذكروا في سبب نزولها روايات منها : ما روي عن ابن عباس أنها نزلت في حيين من قريش : بني عبد مناف ، وبني سهم ، تكاثروا بالسادة والأشراف في الإسلام ، فقال كل حي منهم : نحن أكثر سيدا ، وأعز نفرا . . فنزلت هذه السورة . . ( {[1]} ) .
2- ومن أغراض السورة الكريمة : النهي عن التفاخر والتكاثر ، والحض على التزود بالعمل الصالح ، وعلى ما ينجي من العذاب ، والتأكيد على أن يوم القيامة حق ، وعلى أن الحساب حق ، وعلى أن الجزاء حق . .
قوله - سبحانه - : { أَلْهَاكُمُ } من اللهو ، وهو الغفلة عن مواطن الخير ، والانشغال عما هو نافع .
والتكاثر : التباري والتباهي بالكثرة فى شيء مرغوب فيه كالمال والجاه .
أي : شغلكم - أيها الناس - التباهي والتفاخر بكثرة الأموال والأولاد والعشيرة ، كما ألهاكم حب الدنيا عن القيام بما كلفناكم به .
يقول تعالى : شغلكم حب الدنيا ونعيمها وزهرتها عن طلب الآخرة وابتغائها ، وتمادى بكم ذلك حتى جاءكم الموت وزرتم المقابر ، وصرتم من أهلها ؟ !
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا زكريا بن يحيى الوَقار المصري ، حدثنا خالد بن عبد الدايم ، عن ابن زيد بن أسلم ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ } عن الطاعة ، { حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ } حتى يأتيكم الموت " {[30452]} .
وقال الحسن البصري : { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ } في الأموال والأولاد .
وفي صحيح البخاري ، في " الرقاق " منه : وقال لنا أبو الوليد : حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك ، عن أبي بن كعب قال : كنا نرى هذا من القرآن حتى نزلت : { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ } يعني : " لو كان لابن آدم وادٍ من ذهب " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة : سمعت قتادة يحدث عن مُطَرِّف - يعني ابن عبد الله بن الشخير - عن أبيه قال : انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : " { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ } يقول ابن آدم : مالي مالي . وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت ؟ " . ورواه مسلم والترمذي والنسائي ، من طريق شعبة ، به{[30453]} .
وقال مسلم في صحيحه : حدثنا سويد بن سعيد ، حدثنا حفص بن ميسرة ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقول العبد : مالي مالي ؟ وإنما له من ماله ثلاث : ما أكل فأفنى ، أو لبس فأبلى ، أو تصدق فاقتنى ، {[30454]} وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس " . تفرد به مسلم{[30455]} .
وقال البخاري : حدثنا الحُمَيدي ، حدثنا سفيان ، حدثنا عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، سمع أنس بن مالك يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يتبع الميت ثلاثةٌ ، فيرجع اثنان ويبقى معه واحد : يتبعه أهله وماله وعمله ، فيرجع أهله وماله ، ويبقى عمله " .
وكذا رواه مسلم والترمذي والنسائي ، من حديث سفيان بن عيينة ، به{[30456]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى ، عن شعبة ، حدثنا قتادة ، عن أنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يهرم ابن آدم وتبقى منه اثنتان : الحرص والأمل " . أخرجاه في الصحيحين{[30457]} .
وذكر الحافظ ابن عساكر ، في ترجمة الأحنف بن قيس{[30458]} - واسمه الضحاك - أنه رأى في يد رجل درهما فقال : لمن هذا الدرهم ؟ فقال الرجل : لي . فقال : إنما هو لك إذا أنفقته في أجر ، أو ابتغاء شكر . ثم أنشد الأحنف متمثلا قول الشاعر :
أنتَ للمال إذا أمسكتَه *** فإذا أنفقتَه فالمالُ لَكْ
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو أسامة قال : صالح بن حيان حدثني عن ابن بريدة في قوله : { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ } قال : نزلت في قبيلتين من قبائل الأنصار ، في بني حارثة وبني الحارث ، تفاخروا وتكاثروا ، فقالت إحداهما : فيكم مثلُ فلان بن فلان ، وفلان ؟ وقال الآخرون مثل ذلك ، تفاخروا{[30459]} بالأحياء ، ثم قالوا : انطلقوا بنا إلى القبور . فجعلت إحدى الطائفتين تقول : فيكم مثل فلان ؟ يشيرون إلى القبر ، ومثل فلان ؟ وفعل الآخرون مثل ذلك ، فأنزل الله : { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ } لقد كان لكم فيما رأيتم عبرة وشغل .
وقال قتادة : { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ } كانوا يقولون : نحن أكثر من بني فلان{[30460]} ، ونحن أعَدُّ من بني فلان ، وهم كل يوم يتساقطون إلى آخرهم ، والله ما زالوا كذلك حتى صاروا من أهل القبور كلهم .
والصحيح أن المراد بقوله : { زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ } أي : صرتم إليها ودفنتم فيها ، كما جاء في الصحيح : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على رجل من الأعراب يعوده ، فقال : " لا بأس ، طهور إن شاء الله " . فقال : قلت : طَهُور ؟ ! بل هي حمى تفور ، على شيخ كبير ، تُزيره القبور ! قال : " فَنَعَم إذًا " {[30461]} .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا محمد بن سعيد الأصبهاني ، أخبرنا حكام بن سلم الرازي ، عن عمرو بن أبي قيس ، عن الحجاج ، عن المنْهال ، عن زر بن حُبَيْش ، عن علي قال : ما زلنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت : { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ }
ورواه الترمذي عن أبي كُرَيب ، عن حَكَّام بن سلم{[30462]} [ به ]{[30463]} وقال : غريب{[30464]} .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا سلمة بن داود العُرضي{[30465]} حدثنا أبو المليح الرقي ، عن ميمون بن مهران قال : كنت جالسا عند عمر بن عبد العزيز ، فقرأ : { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ } فلبث هنيهة{[30466]} فقال : يا ميمون ، ما أرى المقابر إلا زيارة ، وما للزائر بد من أن يرجع إلى منزله .
قال أبو محمد : يعني أن يرجع إلى منزله إلى جنة أو نار . وهكذا ذُكر أن بعضَ الأعراب سمع رجلا يتلو هذه الآية : { حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ } فقال : بُعثَ اليوم{[30467]} ورَب الكعبة . أي : إن الزائر سيرحل من مقامه ذلك إلى غيره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.