قوله : { وكم أهلكنا من القرون } أي : المكذبة ، { من بعد نوح } ، يخوف كفار مكة ، { وكفى بربك بذنوب عباده خبيراً بصيراً } ، قال عبد الله بن أبي أوفى : القرن مائة وعشرون سنة ، فبعث الله صلى الله عليه وسلم في أول قرن ، وكان في آخره يزيد بن معاوية . وقيل : مائة سنة . وروي عن محمد بن القاسم عن عبد الله بن بسر المازني " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على رأسه وقال : سيعيش هذا الغلام قرناً " قال محمد بن القاسم فما زلنا نعد له حتى تم له مائة سنة ، ثم مات . قال الكلبي : ثمانون سنة . وقيل : أربعون سنة .
ثم بين - سبحانه - أن هذه القرية لم تكن بدعا فى نزول العذاب بها ، بل هناك قرى كثيرة عتت عن أمر ربها فأخذها - سبحانه - أخذ عزيز مقتدر ، فقال - تعالى - : { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ القرون مِن بَعْدِ نُوحٍ . . . } .
و { كم } هنا خبرية أى : أن معناها الإِخبار عن عدد كثير ، وهى فى محل نصب مفعول به لجملة { أهلكنا } و " من " فى قوله - تعالى - : { من القرون } بيان للفظ { كم } وتمييز له كما يميز العدد بالجنس . وأما " من " فى قوله - تعالى - : { مِن بَعْدِ نُوحٍ } فهى لابتداء الغاية .
والقرون : جمع قرن ، ويطلق على القوم المقترنين فى زمان واحد . والمشهور أن مدته مائة سنة .
أى : أن هذه القرية المدمرة بسبب فسوق أهلها ، وعصيانهم لأمرنا ، ليست هى القرية الوحيدة التى نزل بها عذابنا ، بل إننا قد أهلكنا كثيرا من القرى من بعد زمن نوح - عليه السلام - كقوم عاد وثمود وغيرهم ممن استحبوا العمى على الهدى ، وآثروا الكفر على الإِيمان والغى على الرشد .
وخص نوح - عليه السلام - بالذكر ، لأنه أول رسول كذبه قومه وآذوه وسخروا منه . . فأهلكهم الله - تعالى - بالطوفان .
قال ابن كثير : ودل هذا على أن القرون التى كانت بين آدم ونوح على الإِسلام ، كما قاله ابن عباس : كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإِسلام .
ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بالتهديد الشديد لمن يخالف أمره فقال - تعالى - : { وكفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً } .
أى : وكفى بربك - أيها الرسول الكريم - إحاطة واطلاعا وعلما بما يقدمه الناس من خير أو شر ، فإنه - سبحانه - يعلم السر وأخفى .
والآية الكريمة بجانب أنها تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم فهى - أيضا - تهديد للمشركين ، وإنذار لهم بأنهم إذا ما استمروا على كفرهم ، ومعاداتهم للحق ، وتطاولهم على من جاء به وهو الرسول صلى الله عليه وسلم فسيكونون محلا لغضب الله - تعالى - وسخطه ، ولنزول عذابه الذى أهلك به أمثالهم فى الشرك والكفر والجحود .
وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ الله عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا } وقوله - تعالى - : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد }
يقول تعالى منذرًا كفار قريش في تكذيبهم رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بأنه قد أهلك أممًا من المكذبين للرسل من بعد نوح ، ودل هذا على{[17370]} أن القرون التي كانت بين آدم ونوح على الإسلام ، كما قاله{[17371]} ابن عباس : كان بين آدم ونوح عشرة{[17372]} قرون كلهم على الإسلام .
ومعناه : أنكم أيها المكذبون لستم أكرم على الله منهم ، وقد كذبتم أشرف الرسل وأكرم الخلائق ، فعقوبتكم أولى وأحرى .
وقوله [ تعالى ]{[17373]} { وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا } أي : هو عالم بجميع أعمالهم ، خيرها وشرها ، لا يخفى عليه منها خافية [ سبحانه وتعالى ]{[17374]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.