مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِنَ ٱلۡقُرُونِ مِنۢ بَعۡدِ نُوحٖۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِۦ خَبِيرَۢا بَصِيرٗا} (17)

أما قوله تعالى : { وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح } فاعلم أن المراد أن الطريق الذي ذكرناه هو عادتنا مع الذين يفسقون ويتمردون فيما تقدم من القرون الذين كانوا بعد نوح . وهم عاد وثمود وغيرهم ، ثم إنه تعالى خاطب رسوله بما يكون خطابا لغيره وردعا وزجرا للكل فقال : { وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا } وفيه بحثان :

البحث الأول : أنه تعالى عالم بجميع المعلومات راء لجميع المرئيات فلا يخفى عليه شيء من أحوال الخلق ، وثبت أنه قادر على كل الممكنات فكان قادرا على إيصال الجزاء إلى كل أحد بقدر استحقاقه . وأيضا أنه منزه عن العبث والظلم . ومجموع هذه الصفات الثلاث أعني العلم التام ، والقدرة الكاملة ، والبراءة عن الظلم بشارة عظيمة لأهل الطاعة . وخوف عظيم لأهل الكفر والمعصية .

البحث الثاني : قال الفراء : لو ألغيت الباء من قولك { بربك } جاز ، وإنما يجوز دخول الباء في المرفوع إذا كان يمدح به صاحبه أو يذم . كقولك : كفاك به . وأكرم به رجلا . وطاب بطعامك طعاما . وجاد بثوبك ثوبا ، أما إذا لم يكن مدحا أو ذما لم يجز دخولها ، فلا يجوز أن يقال : قام بأخيك وأنت تريد قام أخوك ، والله أعلم .