فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِنَ ٱلۡقُرُونِ مِنۢ بَعۡدِ نُوحٖۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِۦ خَبِيرَۢا بَصِيرٗا} (17)

ثم ذكر سبحانه أن هذه عادته الجارية مع القرون الخالية فقال : { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ القرون } أي : كثيراً ما أهلكنا منهم ، ف{ كم } مفعول { أهلكنا } ، و{ من القرون } بيان ل{ كم } وتمييز له ؛ أي : كم من قوم كفروا من بعد نوح كعاد وثمود ، فحلّ بهم البوار ونزل بهم سوط العذاب ؟ وفيه تخويف لكفار مكة . ثم خاطب رسوله بما هو ردع للناس كافة فقال : { وكفى بِرَبّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَا بَصِيرًا } قال الفراء : إنما يجوز إدخال الباء في المرفوع إذا كان يمدح به صاحبه أو يذم به ، كقولك : كفاك ، وأكرم به رجلاً ، وطاب بطعامك طعاماً ، ولا يقال : قام بأخيك ، وأنت تريد : قام أخوك . وفي الآية بشارة عظيمة لأهل الطاعة وتخويف شديد لأهل المعصية ، لأن العلم التام والخبرة الكاملة والبصيرة النافذة تقتضي إيصال الجزاء إلى مستحقه بحسب استحقاقه ، ولا ينافيه مزيد التفضل على من هو أهل لذلك ، والمراد بكونه سبحانه { خبيراً بصيراً } أنه محيط بحقائق الأشياء ظاهراً وباطناً لا تخفى عليه منها خافية .

/خ17