فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِنَ ٱلۡقُرُونِ مِنۢ بَعۡدِ نُوحٖۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِۦ خَبِيرَۢا بَصِيرٗا} (17)

{ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًَا بَصِيرًا ( 17 ) } .

ثم ذكر سبحانه أن هذه عادته الجارية مع القرون الخالية فقال : { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ } أي كثيرا ما أهلكنا منهم فكم مفعول أهلكنا أي أن من قوم كفروا { مِن بَعْدِ نُوحٍ } كعاد وثمود وغيرهم من الأمم الخالية فحل بهم البوار ونزل بهم سوط العذاب وفيه تخويف لكفار مكة ، وإنما قال ذلك لأنه أول من كذبه قومه ومن ثم لم يقل من بعد آدم ، ومن الثانية لابتداء الغاية والأولى للبيان فلذلك اتحد متعلقهما .

وقال الحوفي الثانية بدل من الأولى وليس كذلك لاختلاف معنييهما ، ثم خاطب رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بما هو ردع للناس كافة فقال : { وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًَا بَصِيرًا } .

قال الفراء : إنما يجوز إدخال الباء في المرفوع إذا كان يمدح به صاحبه أو يذم كقولك كفاك به وأكرم به رجلا وطاب بطعامك طعاما ولا يقال قام بأخيك وأنت تريد قام أخوك ؛ والمراد بكونه سبحانه خبيرا أنه محيط بحقائق الأشياء ظاهرا وباطنا عالم بجميع المعلومات راء لجميع المرئيات لا تخفى عليه خافية من أحوال الخلق .

وفي الآية بشارة عظيمة لأهل الطاعة وتخويف شديد لأهل المعصية لأن العلم التام والخبرة الكاملة والبصيرة النافذة يقتضي إيصال الجزاء إلى مستحقه بحسب استحقاقه ، ولا ينافيه مزيد التفضل على من هو أهل لذلك .