المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسۡتَـٔۡذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ وَٱلَّذِينَ لَمۡ يَبۡلُغُواْ ٱلۡحُلُمَ مِنكُمۡ ثَلَٰثَ مَرَّـٰتٖۚ مِّن قَبۡلِ صَلَوٰةِ ٱلۡفَجۡرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ وَمِنۢ بَعۡدِ صَلَوٰةِ ٱلۡعِشَآءِۚ ثَلَٰثُ عَوۡرَٰتٖ لَّكُمۡۚ لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ وَلَا عَلَيۡهِمۡ جُنَاحُۢ بَعۡدَهُنَّۚ طَوَّـٰفُونَ عَلَيۡكُم بَعۡضُكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (58)

58- يا أيها الذين آمنوا ، يجب أن تأمروا عبيدكم وصبيانكم الذين لم يصلوا إلي حد البلوغ ألا يدخلوا عليكم إلا بعد الاستئذان في ثلاثة أوقات ، وهي : قبل صلاة الفجر{[154]} ، وحين تتخففون من ثيابكم وقت القيلولة ، ومن بعد صلاة العشاء عند الاستعداد للنوم . فهذه الأوقات يتغير فيها نظام اللبس باستبدال ثياب النوم بثياب اليقظة ، ويبدو من عورات الجسم ما لا ينبغي رؤيته ، ولا حرج عليكم ولا عليهم في الدخول بغير استئذان في غير هذه الأوقات ، لأن العادة جرت بأن يتردد فيها بعضكم علي بعض لقضاء المصالح . وبمثل هذا التوضيح يوضح الله لكم آيات القرآن لبيان الأحكام ، والله سبحانه واسع العلم عظيم الحكمة ، يعلم ما يصلح لعباده ويشرع لهم ما يناسبهم ويحاسبهم عليه .


[154]:{يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر، وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة، ومن بعد صلاة العشاء، ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن، طوافون عليكم بعضكم علي بعض، كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم}: هذه الآية الشريفة إحدى الآيات التي توجه أنظار الناس إلي اللياقة الاجتماعية في محيط الأسرة، وذلك أن اندماج المماليك ـ الخدم ـ والصبيان في أسرهم، قد يتجاوز بهم الاحتشام في المخالطة، فيدخلون علي الغير دون استئذان في الأوقات المذكورة في الآية. ونظرا لأنها أوقات خلوة وحرية شخصية وتحلل من لباس الحشمة، عنيت الآية بتشريع الاستئذان في تلك الأوقات بالنسبة لمن ذكرتهم من المماليك والصبيان، حتى لا يطلعوا علي ما يعتبر سرا لا يستساغ اطلاعهم عليه، إذ هو كالعورة التي ينبغي سترها، وفي هذا توجيه لأعضاء الأسرة إلي اتخاذ الملابس اللائقة بمقابلة بعضهم البعض، حتى تظل كرامتهم مصونة، وحريتهم مكفولة وآدابهم مرعية، والقرآن بهذه التوجيهات التي تنهض بأخلاقنا إلي المستوى الرفيع.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسۡتَـٔۡذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ وَٱلَّذِينَ لَمۡ يَبۡلُغُواْ ٱلۡحُلُمَ مِنكُمۡ ثَلَٰثَ مَرَّـٰتٖۚ مِّن قَبۡلِ صَلَوٰةِ ٱلۡفَجۡرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ وَمِنۢ بَعۡدِ صَلَوٰةِ ٱلۡعِشَآءِۚ ثَلَٰثُ عَوۡرَٰتٖ لَّكُمۡۚ لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ وَلَا عَلَيۡهِمۡ جُنَاحُۢ بَعۡدَهُنَّۚ طَوَّـٰفُونَ عَلَيۡكُم بَعۡضُكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (58)

قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم } الآية : قال ابن عباس رضي الله عنهما وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً من الأنصار يقال له : مدلج بن عمرو إلى عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وقت الظهيرة ليدعوه ، فدخل فرأى عمر بحالة كره عمر رؤيته ذلك ، فأنزل الله هذه الآية . وقال مقاتل : نزلت في أسماء بنت مرثد ، كان لها غلام كبير ، فدخل عليها في وقت كرهته ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إن خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حال نكرهها ، فأنزل الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم } " اللام " لام الأمر الذين ملكت أيمانكم يعني : العبيد والإماء ، { والذين لم يبلغوا الحلم منكم } من الأحرار ، ليس المراد منهم الأطفال الذين لم يظهروا على عورات النساء ، بل الذين عرفوا أمر النساء ولكن لم يبلغوا . { ثلاث مرات } أي : ليستأذنوا في ثلاث أوقات ، { من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة } يريد المقيل ، { ومن بعد صلاة العشاء } وإنما خص هذه الأوقات لأنها ساعات الخلوة ووضع الثياب ، فربما يبدو من الإنسان مالا يحب أن يراه أحد ، أمر العبيد والصبيان بالاستئذان في هذه الأوقات ، وأما غيرهم فليستأذنوا في جميع الأوقات { ثلاث عورات لكم } قرأ حمزة والكسائي : ( ثلاث ) بنصب الثاء بدلاً عن قوله : ثلاث مرات ، وقرأ الآخرون بالرفع ، أي : هذه الأوقات ثلاث عورات لكم ، سميت هذه الأوقات عورات لأن الإنسان يضع فيها ثيابه فتبدو عورته ، { ليس عليكم } جناح ، { ولا عليهم } يعني : على العبيد والخدم والصبيان ، { جناح } في الدخول عليكم من غير استئذان ، { بعدهن } أي بعد هذه الأوقات الثلاثة ، { طوافون عليكم } أي : العبيد والخدم يطوفون عليكم فيترددون ويدخلون ويخرجون في أشغالهم بغير إذن ، بعضكم على بعض أي : يطوف { بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم } واختلف العلماء في حكم هذه الآية : فقال قوم : منسوخ . قال ابن عباس رضي الله عنه : لم يكن للقوم ستور ولا حجاب ، فكان الخدم والولائد يدخلون فربما يرون منهم مالا يحبون ، فأمروا بالاستئذان ، وقد بسط الله الرزق واتخذ الناس الستور فرأى أن ذلك أغنى عن الاستئذان . وذهب قوم إلى أنها غير منسوخة ، روى سفيان عن موسى بن أبي عائشة قالت : سألت الشعبي عن هذه الآية ( ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم ) : أمنسوخة هي ؟ قال : لا والله ، قلت : إن الناس لا يعملون بها ، قال : الله المستعان . وقال سعيد بن جبير في هذه الآية : إن ناساً يقولون نسخت ، والله ما نسخت ، ولكنها مما تهاون به الناس .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسۡتَـٔۡذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ وَٱلَّذِينَ لَمۡ يَبۡلُغُواْ ٱلۡحُلُمَ مِنكُمۡ ثَلَٰثَ مَرَّـٰتٖۚ مِّن قَبۡلِ صَلَوٰةِ ٱلۡفَجۡرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ وَمِنۢ بَعۡدِ صَلَوٰةِ ٱلۡعِشَآءِۚ ثَلَٰثُ عَوۡرَٰتٖ لَّكُمۡۚ لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ وَلَا عَلَيۡهِمۡ جُنَاحُۢ بَعۡدَهُنَّۚ طَوَّـٰفُونَ عَلَيۡكُم بَعۡضُكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (58)

بعد كل ذلك ، عادت السورة الكريمة إلى الحديث عما افتتحت به من الحديث عن الأحكام والآداب التى شرعها الله - تعالى - ، وأمر المؤمنين بالتمسك بها فقال - تعالى - : { ياأيها الذين ءَامَنُواْ . . . } .

ذكر المفسرون فى سبب نزول قوله - تعالى - : { ياأيها الذين ءَامَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ . . . } روايات منها : أن امرأة يقال لها أسماء بنت أبى مرثد ، دخل عليها غلام كبير لها ، فى وقت كرهت دخوله فيه ، فأتت النبى صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن خدمنا وغلماننا يدخلون علينا فى حال نكرهها ، فأنزل الله تعالى هذه الآية :

ومنها ما روى من أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث فى وقت الظهيرة غلاما من الأنصار يقال له مدلج ، إلى عمر بن الخطاب ، فدق الغلام الباب على عمر - وكان نائما - فاستيقظ ، وجلس فانكشف منه شىء فقال عمر : لوددت أن الله - تعالى - نهى آباءنا وأبناءنا وخدمنا من الدخول علينا فى هذه الساعة إلا بإذن ثم انطلق عمر مع الغلام إلى النبى صلى الله عليه وسلم فوجد هذه الآية قد نزلت فخر ساجدا لله - تعالى - .

وقد صدرت الآية الكريمة بندائهم بصفة الإيمان . لحضهم على الامتثال لما اشتملت عليه من آداب قويمة . وتوجيهات حكيمة .

واللام فى قوله { لِيَسْتَأْذِنكُمُ } هى لام الأمر والمراد بما ملكت أيمانهم : الأرقاء سواء أكانوا ذكورا أم إناثا ، ويدخل فيهم الخدم ومن على شاكلتهم .

والمراد بالذين لم يبلغوا الحلم . الأطفال الذين فى سن الصبا ولم يصلوا إلى سن البلوغ إلا أنهم يعرفون معنى العورة ويميزون بين ما يصح الاطلاع عليه وما لا يصح .

والمعنى : يا من آمنتم بالله حق الإيمان من الرجال ، والنساء ، عليكم أن تمنعوا مماليككم وخدمكم وصبيانكم الذين لم يبلغوا سن البلوغ ، من الدخول عليكم فى مضاجعكم بغير إذن فى هذه الأوقات الثلاثة ، خشية أن يطلعوا منكم على ما لا يصح الاطلاع عليه .

فقوله - تعالى - : { ثَلاَثَ مَرَّاتٍ } تحديد للأوقات المنهى عن الدخول فيها بدون استئذان ، أى : ثلاث أوقات فى اليوم والليلة .

ثم بين - سبحانه - هذه الأوقات فقال : { مِّن قَبْلِ صلاة الفجر } وذلك لأن هذا الوقت يقوم فيه الإنسان من النوم عادة ، وقد يكون متخففا من ثيابه . ولا يجب أن يراه أحد وهو على تلك الحالة .

{ وَحِينَ تَضَعُونَ ثيابكم مِّنَ الظهيرة } أى : وحين تخلعون ثيابكم وتطرحونها فى وقت الظهيرة ، عند شدة الحر ، لأجل التخفيف منها وارتداء ثياب أخرى أرق من تلك الثياب ، طلبا للراحة واستعدادا للنوم .

{ وَمِن بَعْدِ صلاة العشآء } لأن هذا الوقت يتجرد فيه الإنسان من ثياب اليقظة ، ليتخذ ثيابا أخرى للنوم .

وقوله - سبحانه - : { ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ } خبر مبتدأ محذوف ، والعورات : جمع عورة .

وتطلق على ما يجب ستره من الإنسان ، وهى - كما يقول الراغب - مأخوذة من العار ، وذلك لأن المظهر لها يلحقه العار والذم بسبب ذلك .

أى : هذه الأوقات من ثلاث عورات كائنة لكم - فعليكم أن تعودوا مماليككم وخدمكم وصبيانكم . على الاستئذان عند إرادة الدخول عليكم فيها ، لأنها أوقات يغلب فيها اختلاء الرجل بأهله ، كما يغلب فيها التخفف من الثياب ، وانكشاف ما يجب ستره .

وقوله - سبحانه - : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ } بيان لمظهر من مظاهر التيسير فى شريعة الإسلام .

أى : وليس عليكم أيها المؤمنون والمؤمنات ، ولا عليهم ، أى : أرقائكم وصبيانكم " جناح " اآ : حرج أو إثم فى الدخول بدون استئذان " بعدهن " أى : بعد كل وقت من تلك الأوقات الثلاثة .

وقوله - تعالى - { طوافون عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ على بَعْضٍ } تعليل لبيان العذر المرخص فى ترك الاستئذان فى غير الأوقات التى حددها الله - تعالى - .

أى : لا حرج فى دخول مماليككم وصبيانكم عليكم فى غير هذه الأوقات بدون استئذان لأنهم تكثر حاجتهم فى التردد عليكم ، وأنتم كذلك لا غنى لكم عنهم فأنتم وهم يطوف بعضكم على بعض لقضاء المصالح فى كثير من الأوقات .

وبذلك يجمع الإسلام فى تعاليمه بين التستر والاحتشام والتأدب بآدابه القويمة ، وبين السماحة وإزالة الحرج والمشقة .

ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله : { كَذَلِكَ يُبَيِّنُ الله لَكُمُ الايات والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ } .

أى : مثل هذا البيان الحكيم يبين الله - تعالى - لكم الآيات التى توصلكم متى تمسكتم بها ، إلى طريق الخير و السعادة ، والله - عز وجل - عليم بما يصلح عباده ، حكيم فى كل ما يأمر به ، أو ينهى عنه .

وهكذا تسوق لنا الآية الكريمة ألوانا من الأدب السامى ، الذى يجعل الكبار والصغار يعيشون عيشة فاضلة ، عامرة بالطهر والعفاف والحياء ، والنقاء من كل ما يجرح الشعور ، ومن كل تصور يتنافى مع الخلق الكريم .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسۡتَـٔۡذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ وَٱلَّذِينَ لَمۡ يَبۡلُغُواْ ٱلۡحُلُمَ مِنكُمۡ ثَلَٰثَ مَرَّـٰتٖۚ مِّن قَبۡلِ صَلَوٰةِ ٱلۡفَجۡرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ وَمِنۢ بَعۡدِ صَلَوٰةِ ٱلۡعِشَآءِۚ ثَلَٰثُ عَوۡرَٰتٖ لَّكُمۡۚ لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ وَلَا عَلَيۡهِمۡ جُنَاحُۢ بَعۡدَهُنَّۚ طَوَّـٰفُونَ عَلَيۡكُم بَعۡضُكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (58)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

اختلف أهل التأويل في المعني بقوله:"ليَسْتأْذِنْكُمُ الّذِينَ مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ" فقال بعضهم: عُني بذلك الرجال دون النساء، ونهوا عن أن يدخلوا عليهم في هذه الأوقات الثلاثة هؤلاء الذين سُمّوا في هذه الآية إلاّ بإذن...

وقال آخرون: بل عُنِي به الرجال والنساء...

وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال: عُني به الذكور والإناث لأن الله عمّ بقوله: "الّذِينَ مَلَكَتْ أيمانُكُمْ "جميع أملاك أيماننا، ولم يخصص منهم ذكرا ولا أنثى فذلك على جميع من عمه ظاهر التنزيل.

فتأويل الكلام: يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله، ليستأذنكم في الدخول عليكم عبيدُكم وإماؤكم، فلا يدخلوا عليكم إلاّ بإذن منكم لهم.

"وَالّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الحُلُمَ مِنْكُمْ" يقول: والذين لم يحتلموا من أحراركم "ثلاث مرّات"، يعني ثلاث مرات في ثلاثة أوقات من ساعات ليلكم ونهاركم... وقوله: "ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ" اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة: "ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ" برفع «الثلاث»، بمعنى الخبر عن هذه الأوقات التي ذكرت. كأنه عندهم قيل: هذه الأوقات الثلاثة التي أمرناكم بأن لا يدخل عليكم فيها من ذكرنا إلاّ بإذن، ثلاثُ عورات لكم لأنكم تضعون فيها ثيابكم وتخلُون بأهليكم. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: «ثَلاثَ عَوْرَاتٍ» بنصب «الثلاث» على الردّ على «الثلاث» الأولى، وكأن معنى الكلام عندهم: ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاثَ مرّات، ثلاثُ عورات لكم.

والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان متقاربتا المعنى، وقد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.

وقوله: "لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنّ، طَوّافُونَ عَلَيْكُمْ" يقول تعالى ذكره: ليس عليكم معشر أرباب البيوت والمساكن، "ولا عَلَيْهِمْ" يعني: ولا على الذين ملكت أيمانكم من الرجال والنساء والذين لم يبلغوا الحلم من أولادكم الصغار حرج ولا إثم بعدهنّ، يعني بعد العورات الثلاث. والهاء والنون في قوله: "بَعْدَهُنّ" عائدتان على «الثلاث» من قوله: "ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ". وإنما يعني بذلك أنه لا حرج ولا جُناح على الناس أن يدخل عليهم مماليكهم البالغون وصبيانهم الصغار بغير إذن بعد هذه الأوقات الثلاث اللاتي ذكرهنّ في قوله: "مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ العِشاءِ"...

وقوله: "طَوّافُونَ عَلَيْكُمْ" رفع «الطوّافون» بمضمر، وذلك «هم»، يقول لهؤلاء المماليك والصبيان الصغار هم طوّافون عليكم أيها الناس، ويعني بالطوّافين: أنهم يدخلون ويخرجون على مواليهم وأقربائهم في منازلهم غدوة وعشية بغير إذن، يطوفون عليهم "بعضكم على بعض" في غير الأوقات الثلاث التي أمرهم أن لا يدخلوا على ساداتهم وأقربائهم فيها إلاّ بإذن. "كَذلكَ يُبَيّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيات" يقول جلّ ثناؤه: كما بينت لكم أيها الناس أحكام الاستئذان في هذه الآية، كذلك يبين الله لكم جميع أعلامه وأدلته وشرائع دينه. "وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" يقول: والله ذو علم بما يصلح عباده، حكيم في تدبيره إياهم وغير ذلك من أموره.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِّن قَبْلِ صَلاَةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثَيَابَكُمْ مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلاَةِ الْعِشَاءِ} وهذه الساعات الثلاث هي أوقات استئذان من تقدم ذكره ولا يلزمهم الاستئذان في غيرها من الأوقات، فذكر الوقت الأول وهو من قبل صلاة الفجر وهو من بعد الاستيقاظ من النوم إلى صلاة الصبح، ثم ذكر الوقت الثاني فقال: {وَحِينَ تَضَعُونَ} وهو وقت الخلوة لنومة القائلة، ثم ذكر الوقت الثالث فقال: {وَمِن بَعْدِ صَلاَةِ الْعَشَاءِ} يعني الآخرة وقد تسميها العامة العتمة وسميت العشاء لأن ظلام وقتها يعشي البصر. وإنما خص هذه الأوقات الثلاثة لأنها أوقات خلوات الرجل مع أهله، ولأنه ربما بدا فيها عند خلوته ما يكره أن يرى من جسده.

معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي 516 هـ :

{يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم} "اللام "لام الأمر...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

أمر بأن يستأذن العبيد. وقيل: العبيد والإماء والأطفال الذين لم يحتلموا من الأحرار {ثلاث مَرَّاتٍ} في اليوم والليلة: قبل صلاة الفجر؛ لأنه وقت قيام من المضاجع وطرح ما ينام فيه من الثياب ولبس ثياب اليقظة. وبالظهيرة: لأنها وقت وضع الثياب للقائلة. وبعد صلاة العشاء؛ لأنه وقت التجرّد من ثياب اليقظة والالتحاف بثياب النوم. وسمى كل واحدة من هذه الأحوال عورة؛ لأن الناس يختلّ تسترهم وتحفظهم فيها...

ثم عذرهم في ترك الاستئذان وراء هذه المرات، وبين وجه العذر في قوله: {طَوافُونَ عَلَيْكُمْ} يعني أن بكم وبهم حاجة إلى المخالطة والمداخلة: يطوفون عليكم بالخدمة، وتطوفون عليهم للاستخدام...

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

هذه الآيات الكريمة اشتملت على استئذان الأقارب بعضهم على بعض. وما تقدَّم في أول السورة فهو استئذان الأجانب بعضهم على بعض...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

... {يا أيها الذين آمنوا} أي من الرجال والنساء، إما للتغليب، وإما لأن النساء أولى بحفظ العورة {ليستأذنكم} تصديقاً لدعوى الإيمان {الذين ملكت أيمانكم} من العبيد والإماء البالغين، ومن قاربهم، للدخول عليكم كراهة الاطلاع على عوراتكم والتطرق بذلك إلى مساءتكم {والذين} ظهروا على عورات النساء، ولكنهم {لم يبلغوا الحلم} وقيده بقوله: {منكم} ليخرج الأرقاء والكفار {ثلاث مرّات} في كل دور، ويمكن أن يراد: ثلاث استئذانات في كل مرة، فإن لم يحصل الإذن رجع المستأذن كما تقدم: المرة الأولى من الأوقات الثلاث {من قبل صلاة الفجر} لأنه وقت القيام من المضاجع وطرح ثياب النوم {و} الثانية {حين تضعون ثيابكم} أي التي للخروج بين الناس {من الظهيرة} للقائلة {و} الثالثة {من بعد صلاة العشاء} لأنه وقت الانفصال من ثياب اليقظة، والاتصال بثياب النوم، وخص هذه الأوقات لأنها ساعات الخلوة، ووضع الثياب، وأثبت من في الموضعين دلالة على قرب الزمن من الوقت المذكور لضبطه، وأسقطها في الأوسط دلالة على استغراقه لأنه غير منضبط، ثم علل ذلك بقوله: {ثلاث عورات} أي اختلالات في التستر والتحفظ، وأصل العورة -كما قال البيضاوي: الخلل.

لأنه لما كانت العورة تبدو فيها سميت بها {لكم} لأنها ساعات وضع الثياب والخلوة بالأهل، وبين حكم ما عدا ذلك بقوله مستأنفاً: {ليس عليكم} أي في ترك الأمر {ولا عليهم} يعني العبيد والخدم والصبيان، في ترك الاستئذان {جناح} أي إثم، وأصله الميل {بعدهن} أي في جميع ما سوى هذه الأوقات إذا هجموا عليكم؛ ثم علل الإباحة في غيرها، مخرجاً لغيرهم، مبيناً أن حكمة الاستئذان في كل وقت كما مضى بقوله: {طوافون عليكم} أي لعمل ما تحتاجونه في الخدمة كما أنتم طوافون عليهم لعمل ما يصلحهم ويصلحكم في الاستخدام {بعضكم} طواف {على بعض} لعمل ما يعجز عنه الآخر أو يشق عليه فلو عم الأمر بالاستئذان لأدى إلى الحرج.

ولما أعلى سبحانه البيان في هذه الآيات إلى حد يعجز الإنسان لا سيما وهي في الأحكام، والكلام فيها يعيي أهل البيان، وكان السامع لما جبل عليه من النسيان، يذهل عن أن هذا هو الشأن، في جميع القرآن، قال مشيراً إلى عظم شأنها، في تفريقها وبيانها: {كذلك} أي مثل هذا البيان {يبين الله} بما له من إحاطة العلم والقدرة {لكم} أيتها الأمة خاصة {الآيات} في الأحكام وغيرها وبعلمه وحكمته {والله} الذي له الإحاطة العامة بكل شيء {عليم} بكل شيء {حكيم} يتقن ما يريده، فلا يقدر أحد على نقضه، وختم الآية بهذا الوصف يدل على أنها محكمة لم تنسخ كما قال الشعبي وغيره- أفاده ابن كثير، وحُكي مثله عن ابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن جبير.

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

والعورةُ في الأصلِ هو الخللُ، غلبَ في الخللِ الواقعِ فيما يهمُّ حفظُه ويُعتنى بسترِه. أُطلقتْ على الأوقاتِ المُشتملةِ عليها مبالغةً كأنَّها نفسُ العورةِ.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وسماها (عورات) لانكشاف العورات فيها. وفي هذه الأوقات الثلاثة لا بد أن يستأذن الخدم، وأن يستأذن الصغار المميزون الذين لم يبلغوا الحلم، كي لا تقع أنظارهم على عورات أهليهم. وهو أدب يغفله الكثيرون في حياتهم المنزلية، مستهينين بآثاره النفسية والعصبية والخلقية، ظانين أن الخدم لا تمتد أعينهم إلى عورات السادة! وأن الصغار قبل البلوغ لا ينتبهون لهذه المناظر. بينما يقرر النفسيون اليوم -بعد تقدم العلوم النفسية- أن بعض المشاهد التي تقع عليها أنظار الأطفال في صغرهم هي التي تؤثر في حياتهم كلها؛ وقد تصيبهم بأمراض نفسية وعصبية يصعب شفاؤهم منها. والعليم الخبير يؤدب المؤمنين بهذه الآداب؛ وهو يريد أن يبني أمة سليمة الأعصاب، سليمة الصدور، مهذبة المشاعر، طاهرة القلوب، نظيفة التصورات. ويخصص هذه الأوقات الثلاثة دون غيرها لأنها مظنة انكشاف العورات. ولا يجعل استئذان الخدم و الصغار في كل حين منعا للحرج. فهم كثيرو الدخول والخروج على أهليهم بحكم صغر سنهم أو قيامهم بالخدمة: (طوافون عليكم بعضكم على بعض).. وبذلك يجمع بين الحرص على عدم انكشاف العورات، وإزالة الحرج والمشقة لو حتم أن يستأذنوا كما يستأذن الكبار.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

ووُجّه الخطاب إلى المؤمنين وجعلت صيغة الأمر موجهة إلى المماليك والصبيان على معنى: لتأمروا الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم أن يستأذنوا عليكم، لأن على أرباب البيوت تأديب أتباعهم، فلا يشكل توجيه الأمر إلى الذين لم يبلغوا الحلم...

والعورة في الأصل: الخلل والنقص. وفيه قيل لمن فقدت عينه أعور وعورت عينه، ومنه عورة الحي وهي الجهة غير الحصينة منه بحيث يمكن الدخول منها كالثغر، قال لبيد:

وأجَنَّ عورات الثغور ظلامها

وقال تعالى: {يقولون إنّ بيوتنا عورة} [الأحزاب: 13] ثم أطلقت على ما يكره انكشافه كما هنا وكما سمي ما لا يحب الإنسان كشفه من جسده عورة..

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

تعلمنا هذه الآية آداب الاستئذان داخل الأسرة المكونة من الأبوين والأبناء، ثم الأتباع مثل الخدم وغيرهم، والحق- تبارك وتعالى – يريد أن ينشئ هذه الأسرة على أفضل ما يكون، ويخص بالنداء هنا الذين آمنوا، يعني: يا من آمنتم بي ربا حكيما مشرعا لكم حريصا على مصلحتكم استمعوا إلى هذا الأدب: {ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات}... يعني: علموا هؤلاء أن يستأذنوا عليكم...وهذا الأدب تكليف من الله تعالى يكلف به كل مؤمن داخل الأسرة، وإن كان الأمر هنا لغير المأمور، فالمأمور بالاستئذان هم ملك اليمين والأطفال الصغار، فأمر الله الكبار أن يعلموا الصغار...فلم يكلف بهذا الصغار إنما كلف الكبار؛ لأن الأطفال لم يبلغوا بعد مبلغ التكليف من ربهم، إنما بلغوا مبلغ التكليف عندكم أنتم، لذلك أنت الذي تأمر وأنت الذي تتابع وتعاقب...

وللخدم في البيت طبيعة تقتضي أن يدخلوا علينا ويخرجوا، وكذلك الصغار، إلا في أوقات ثلاثة لا يسمح لهم فيها بالدخول إلا بعد الاستئذان...وانظر إلى هذا التحفظ الذي يوفره لك ربك- عز وجل- حتى لا تقيد حريتك في أمورك الشخصية ومسائلك الخاصة، وكأن هذه الأوقات ملك لك أيها المؤمن تأخذ فيها راحتك وتتمتع بخصوصياتك، والاستئذان يعطيك الفرصة لتتهيأ لمقابلة المستأذن. أما في بقية الأوقات فالكل يستأذن عليك حتى الزوجة..