البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسۡتَـٔۡذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ وَٱلَّذِينَ لَمۡ يَبۡلُغُواْ ٱلۡحُلُمَ مِنكُمۡ ثَلَٰثَ مَرَّـٰتٖۚ مِّن قَبۡلِ صَلَوٰةِ ٱلۡفَجۡرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ وَمِنۢ بَعۡدِ صَلَوٰةِ ٱلۡعِشَآءِۚ ثَلَٰثُ عَوۡرَٰتٖ لَّكُمۡۚ لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ وَلَا عَلَيۡهِمۡ جُنَاحُۢ بَعۡدَهُنَّۚ طَوَّـٰفُونَ عَلَيۡكُم بَعۡضُكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (58)

روي أن عمر بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً من الأنصار يقال له مدلج ، وكان نائماً فدق عليه الباب ودخل ، فاستيقظ وجلس فانكشف منه شيء فقال عمر : وددت أن الله نهى أبناءنا ونساءنا عن الدخول علينا في هذه الساعات إلاّ بإذن .

ثم انطلق إلى الرسول فوجد هذه الآية قد نزلت فخرّ ساجداً .

وقيل : نزلت في أسماء بنت أبي مرثد قيل : دخل عليها غلام لها كبير في وقت كرهت دخوله ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إن خدمنا وغلماننا يدخلون علينا حالاً نكرهها .

{ ليستأذنكم } أمر والظاهر حمله على الوجوب والجمهور على الندب .

وقيل : بنسخ ذلك إذ صار للبيوت أبواب روي ذلك عن ابن عباس وابن المسيب والظاهر عموم { الذين ملكت أيمانكم } في العبيد والإماء وهو قول الجمهور .

وقال ابن عمر وآخرون ، العبيد دون الإماء .

وقال السلمي : الإماء دون العبيد .

{ والذين لم يبلغوا الحلم منكم } عام في الأطفال عبيد كانوا أو أحراراً .

وقرأ الحسن وأبو عمر وفي رواية وطلحة { الحلْم } بسكون اللام وهي لغة تميم .

وقيل { منكم } أي من الأحرار ذكوراً كانوا أو إناثاً .

والظاهر من قوله { ثلاث مرات } ثلاث استئذانات لأنك إذا ضربت ثلاث مرات لا يفهم منه إلاّ ثلاث ضربات ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام : « الاستئذان ثلاث » والذي عليه الجمهور أن معنى { ثلاث مرات } ثلاث أوقات وجعلوا ما بعده من ذكر تلك الأوقات تفسيراً لقوله { ثلاث مرات } ولا يتعين ذلك بل تبقى { ثلاث مرات } على مدلولها .

{ من قبل صلاة الفجر } لأنه وقت القيام من المضاجع وطرح ما ينام فيه من الثياب ولبس ثياب اليقظة وقد ينكشف النائم .

{ وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة } لأنه وقت وضع الثياب للقائلة لأن النهار إذ ذاك يشتد حره في ذلك الوقت .

و { من } في { من الظهيرة } قال أبو البقاء : لبيان الجنس أي حين ذلك هو الظهيرة ، قال : أو بمعنى من أجل حر الظهيرة و { حين } معطوف على موضع { من قبل } { ومن بعد صلاة العشاء } لأنه وقت التجرد من ثياب اليقظة والالتحاف بثياب النوم { ثلاث عورات لكم } سمى كل واحد منها عورة لأن الناس يختل تسترهم وتحفظهم فيها ، والعورة الخلل ومنه أعور الفارس وأعور المكان ، والأعور المختل العين .

وقرأ حمزة والكسائي { ثلاث } بالنصب قالوا : بدل من { ثلاث عورات } وقدره الحوفي والزمخشري وأبو البقاء أوقات { ثلاث عورات } وقال ابن عطية : إنما يصح يعنى البدل بتقدير أوقات { عورات } فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه .

وقرأ باقي السبعة بالرفع أي هن { ثلاث عورات } وقرأ الأعمش { عَوَرات } بفتح الواو وتقدم أنها لغة هذيل بن مدركة وبني تميم وعلى رفع { ثلاث } .

قال الزمخشري : يكون { ليس عليكم } الجملة في محل رفع على الوصف والمعنى هن { ثلاث عورات } مخصوصة بالاستئذان ، وإذا نصبت لم يكن له محل وكان كلاماً مقرراً بالاستئذان في تلك الأحوال خاصة .

{ بعدهن } أي بعد استئذانهم فيهن حذف الفاعل وحرف الجر بفي بعد استئذانهن ثم حذف المصدر وقيل { ليس } على العبيد والإماء ومن لم يبلغ الحلم في الدخول { عليكم } بغير استئذان { جناح } بعد هذه الأوقات الثلاث { طوافون } يمضون ويجيؤون وهو خبر مبتدأ محذوف تقديره هم { طوافون } أي المماليك والصغار { طوافون عليكم } أي يدخلون عليكم في المنازل غدوة وعشية بغير إذن إلاّ في تلك الأوقات .

وجوّزوا في { بعضكم على بعض } أن يكون مبتدأ وخبراً لكن الجر قدروه طائف على بعض وهو كون مخصوص فلا يجوز حذفه .

قال الزمخشري : وحذف لأن طوافون يدل عليه وأن يكون مرفوعاً بفعل محذوف تقديره يطوف بعضكم .

وقال ابن عطية { بعضكم } بدل من قوله { طوافون } ولا يصح لأنه إن أراد بدلاً من { طوافون } نفسه فلا يجوز لأنه يصير التقدير هم { بعضكم على بعض } وهذا معنى لا يصح .

وإن جعلته بدلاً من الضمير في { طوافون } فلا يصح أيضاً إن قدر الضمير ضمير غيبة لتقدير المبتدأ هم لأنه يصير التقدير هم يطوف { بعضكم على بعض } وهو لا يصح .

فإن جعلت التقدير أنتم يطوف { عليكم بعضكم على بعض } فيدفعه أن قوله { عليكم } بدل على أنهم هم المطوف عليهم ، وأنتم طوافون ، يدل على أنهم طائفون فتعارضا .

وقرأ ابن أبي عبلة طوافين بالنصب على الحال من ضمير { عليهم } .

وقال الحسن : إذا بات الرجل خادمه معه فلا استئذان عليه ولا في هذه الأوقات الثلاثة .