لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسۡتَـٔۡذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ وَٱلَّذِينَ لَمۡ يَبۡلُغُواْ ٱلۡحُلُمَ مِنكُمۡ ثَلَٰثَ مَرَّـٰتٖۚ مِّن قَبۡلِ صَلَوٰةِ ٱلۡفَجۡرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ وَمِنۢ بَعۡدِ صَلَوٰةِ ٱلۡعِشَآءِۚ ثَلَٰثُ عَوۡرَٰتٖ لَّكُمۡۚ لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ وَلَا عَلَيۡهِمۡ جُنَاحُۢ بَعۡدَهُنَّۚ طَوَّـٰفُونَ عَلَيۡكُم بَعۡضُكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (58)

قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم } قال ابن عباس وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً من الأنصار يقال له : مدلج بن عمرو إلى عمر بن الخطاب وقت الظهيرة ليدعوه ، فدخل فرأى عمر بحالة كره عمر رؤيته عند ذلك فأنزل الله هذه الآية وقيل : نزلت في أسماء بنت مرثد كان لها غلام كبير فدخل عليها في وقت كرهته فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إنا خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حال نكرهها ، فأنزل الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم } واللام لام الأمر وفيه قولان أحدهما : أنه على الندب والاستحباب والثاني : أنه على الوجوب وهو الأولى الذين ملكت أيمانكم يعني العبيد والإماء { والذين لم يبلغوا الحلم منكم } يعني الأحرار وليس المراد منهم الذين لم يظهروا على عورات النساء ، بل المراد الذين عرفوا أمر النساء ولكنهم لم يبلغوا الحلم وهو سن التمييز والعقل وغيرهما ، واتفق العلماء على أن الاحتلام بلوغ واختلفوا فيما إذا بلغ خمس عشرة سنة ، ولم يحتلم فقال أبو حنيفة لا يكون بالغاً حتى يبلغ ثمان عشرة سنة ويستكملها والجارية سبع عشرة سنة وقال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وأحمد في الغلام والجارية بخمسة عشرة سنة يصير مكلفاً ، وتجري عليه الأحكام وإن لم يحتلم { ثلاث مرات } أي ليستأذنوا في ثلاثة أوقات { من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة } أي وقت المقيل { ومن بعد صلاة العشاء } وإنما خص هذه الثلاثة الأوقات ، لأنها ساعات الخلوات ووضع الثياب ، فربما يبدو من الإنسان ما لا يجوز أن يراه أحد من العبيد والصبيان ، فأمرهم بالاستئذان في هذه الأوقات وغير العبيد والصبيان يستأذن في جميع الأوقات { ثلاث عورات لكم } سميت هذه الأوقات عورات لأن الإنسان يضع فيها ثيابه فتبدوا عورته { ليس عليكم ولا عليهم } يعني العبيد والخدم والصبيان { جناح } أي حرج في الدخول عليكم بغير استئذان { بعدهن } أي بعد هذه الأوقات الثلاثة { طوافون عليكم } أي العبيد والخدم يترددون ويدخلون ويخرجون في أشغالكم بغير أذن { بعضكم على بعض } أي يطوف بعضكم على بعض { كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم } اختلف العلماء في حكم هذه الآية فقيل : إنها منسوخة حكي ذلك عن سعيد بن المسيب ، روى عكرمة أن نفراً من أهل العراق قالوا يا ابن العباس كيف ترى في هذه الآية التي أمرنا بها ، ولا يعمل بها أحد قول الله عزّ وجلّ { يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم } الآية فقال ابن عباس : إن الله حليم رحيم بالمؤمنين يحب الستر وكان الناس ليس لبيوتهم ستور ولا حجاب فربما دخل الخدم أو الولد أو يتيم الرجل والرجل على أهله فأمرهم الله بالاستئذان في تلك العورات ، فجاءهم الله بالستور والخير » فلم أرد أحداً يعمل بذلك بعد . أخرجه أبو داود في رواية عنه نحوه وزاد فرأيي أن ذلك أغنى عن الاستئذان في تلك العورات ، وذهب قوم إلى أنها غير منسوخة روى سفيان عن موسى بن أبي عائشة قال : « سألت الشعبي عن هذه الآية ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم أمنسوخة هي ؟ قال : لا والله قلت إن الناس لا يعملون بها قال الله تعالى المستعان وقال سعيد بن جبير في هذه الآية أن ناساً يقولون : نسخت والله ما نسخت ولكنها مما تهاون به الناس قيل ثلاث آيات ترك الناس العمل بهن هذه الآية وقوله { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } والناس يقولون أعظمكم بيتاً { وإذا حضر القسمة أولو القربى } الآية .