غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسۡتَـٔۡذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ وَٱلَّذِينَ لَمۡ يَبۡلُغُواْ ٱلۡحُلُمَ مِنكُمۡ ثَلَٰثَ مَرَّـٰتٖۚ مِّن قَبۡلِ صَلَوٰةِ ٱلۡفَجۡرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ وَمِنۢ بَعۡدِ صَلَوٰةِ ٱلۡعِشَآءِۚ ثَلَٰثُ عَوۡرَٰتٖ لَّكُمۡۚ لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ وَلَا عَلَيۡهِمۡ جُنَاحُۢ بَعۡدَهُنَّۚ طَوَّـٰفُونَ عَلَيۡكُم بَعۡضُكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (58)

51

وحين ذكر من دلائل التوحيد وأحوال المكلفين ما ذكر تنشيطاً للأذهان وترغيباً فيما هو الغرض الأصلي من التكاليف وهو العرفان ، عاد إلى ما انجر منه الكلام وهو الحكم العام في باب الاستئذان فذكره ههنا على وجه أخصر فقال : { ليستأذنكم } قال القاضي : هذا الخطاب للرجال ظاهراً ولكنه من باب التغليب فيدخل فيه النساء . وقال الإمام فخر الدين الرازي : يثبت للنساء بقياس جلي لأنهن في باب حفظ العورة أشد حالاً من الرجال . وظاهر قوله { الذين ملكت أيمانكم } يشمل البالغين والصغار ، فالأمر للبالغين على الحقيقة وللصغار على وجه البيان والتأديب كما يؤمرون بالصلاة لسبع ، أو هو تكليف لنا لما فيه من المصلحة لنا ولهم بعد البلوغ كقولك للرجل " ليخفك أهلك وولدك " فظاهره الأمر لهم وحقيقة الأمر له بفعل ما يخافون عنده . وعن ابن عباس أن المراد الصغار وليس للكبار أن ينظروا إلى مالكيهم إلا إلى ما يجوز للحر أن ينظر إليه . ثم إنه هل يشكل الإماء ؟ فعن ابن عمر ومجاهد لا ، وعن غيرهما نعم ، لأن الإنسان كما يكره إطلاع الذكور على أحواله فقد يكره أيضاً إطلاع الإناث عليها . عن ابن عباس : آية لا يؤمن بها أكثر الناس آية الإذن وإني لآمر جارتي أن تستأذن عليّ أراد امرأته ، وكان ابن عباس ينام بين جاريتين . ومن العلماء من قال : هذا الأمر للاستحباب . ومنهم من قال للوجوب . ومن هؤلاء من قال : إنه ناسخ لقوله { لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا } لأن ذلك يدل على أن الاستئذان واجب في كل حال ، وهذا يدل على وجوبه في الأوقات الثلاثة فقط ، ومنه لزوم النسخ بأن الأولى في المكلفين وهذه في غير المكلفين قالوا : الذين ملكت أيمانكم يشمل البالغين . قلنا : لو سلم فلا نسخ أيضاً لأن قوله { غير بيوتكم } لا يشمل العبيد لأن الإضافة توجب الاختصاص والملكية ، والعبد لا يملك شيئاً فلا يملك البيت أمر المماليك والأطفال الذين لم يحتملوا من الأحرار وهذا معنى قوله { منكم } أن تستأذنوا ثلاث مرات في اليوم والليلة . إحداها قبل صلاة الفجر لأنه وقت القيام من المضاجع ووقت استبدال ثياب اليقظة بثياب النوم ، وثانيتها عند الظهيرة وهو نصف النهار عند اشتداد الحر وظهوره فحينئذ يضع الناس ثيابهم غالباً ، وثالثها بعد صلاة العشاء يعني الآخرة لأنه وقت التجرد من ثياب اليقظة والالتحاف بثياب النوم . ثم بين حكمة الاستئذان في هذه الأوقات فقال { ثلاث عورات } فمن قرأ { ثلاث } بالرفع فظاهر كما مر في الوقوف ، ومن قرأ بالنصب فقد قال في الكشاف : إنه بدل من { ثلاث مرات } أي أوقات ثلاث عورات قلت : هذا بناء على أن قوله { ثلاث مرات } ظرف ويجوز أن يكون { ثلاث مرات } مصدراً بمعنى ثلاثة استئذانات ، ويكون { ثلاث عورات } تفسيراً وبياناً للأوقات الثلاثة لأنها منصوبة تقديراً . وأصل العورة الخلل ومنه الأعور المختل العين ، وأعور الفارس إذا بدا منه موضع خلل للضرب ، وأعور المكان إذا خيف فيه القطع . قال جار الله : إذا رفعت { ثلاث عورات } فمحل هذه الجملة الرفع على الوصف أي هن ثلاث عورات مخصوصة بالاستئذان ، وإذا نصبت لم يكن له محل وكان كلاماً مقرراً للأمر بالاستئذان في تلك الأحوال خاصة .

ثم بين وجع العذر بقوله { طوّافون عليكم } وهم الذين يكثرون الدخول والخروج والتردد يعني أن بكم وبهم حاجة إلى المداخلة والمخالطة للاستخدام ونحوه . وارتفع { بعضكم } بالابتداء وخبره { على بعض } أو بالفاعلية أي بعضكم طائف ، أو يطوف بعضكم على بعض يدل على المحذوف طوّافون . وفي الآية دلالة على وجوب اعتبار العلل في الأحكام ما أمكن . يروى أن مدلج بن عمرو وكان غلاماً أنصارياً أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت الظهيرة إلى عمر ليدعوه ، فدخل عليه وهو نائم وقد انكشف عنه ثوبه فقال عمر : لوددت أن الله عز وجل نهى آباءنا وأبناءنا وخدمنا أن لا يدخلوا علينا هذه الساعات إلا بإذن . ثم انطلق معه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوجده وقد أنزلت عليه هذه الآية .

/خ64