تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسۡتَـٔۡذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ وَٱلَّذِينَ لَمۡ يَبۡلُغُواْ ٱلۡحُلُمَ مِنكُمۡ ثَلَٰثَ مَرَّـٰتٖۚ مِّن قَبۡلِ صَلَوٰةِ ٱلۡفَجۡرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ وَمِنۢ بَعۡدِ صَلَوٰةِ ٱلۡعِشَآءِۚ ثَلَٰثُ عَوۡرَٰتٖ لَّكُمۡۚ لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ وَلَا عَلَيۡهِمۡ جُنَاحُۢ بَعۡدَهُنَّۚ طَوَّـٰفُونَ عَلَيۡكُم بَعۡضُكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (58)

الآية 58 : وقوله تعالى : ]يأيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم[ قال بعضهم : " ذكر أن رجلا وامرأته ، تسمى أسماء بنت مرثد اتخذوا طعاما للنبي ، فجعل الناس يدخلون بغير إذن ، فقالت أسماء : ما أقبح هذا يا رسول الله : أن يدخل على الرجل وامرأته بغير إذن ، وهما في ثوب واحد ، غلامهما المملوك ، فأنزل الله : ]ليستأذنكم الذي ملكت أيمانكم[ ( السيوطي في الدر المنثور : 6/217 .

وقال بعضهم : نزل هذا في شأن عمر بن الخطاب ، وهو ما قال : وافقت ربي في ثلاث : ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث{[14198]} غلاما من الأنصار ، يقال له : مُدَّلِجُ ، إلى عمر بن الخطاب ظهيرة ليدعوه ، فانطلق الغلام إليه ليدعوه ، فوجده قايلا ، قد أطلق عليه الباب ، فقام من خلف ، وحركه ، فلم يستيقظ ، فقال الغلام : اللهم أيقظه{[14199]} لي . قال : فدفع الباب ، ثم ناداه ، ودخل ، فاستيقظ عمر ، فجلس ، فانكشف منه شيء ، فرآه الغلام ، وعرف عمر أن الغلام [ قد رأى ذلك منه ، فقال عمر : وددت ، والله ، أن الله نهى ]{[14200]} أبناءنا ونساءنا وخدمنا أن يدخلوا هذه الساعات علينا إلا بإذن{[14201]} ، ثم انطلق معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجده قد نزلت عليه هذه الآية ، وأمر بالاستئذان على دخولهم في هذه الساعات . لكن لا حاجة لنا{[14202]} إلى أن نتعرف أنها نزلت في شأن فلان بن فلان أو في أمر فلان وسببه سوى أن نتعرف المودع فيها وما ذكر من أنواع الآداب والأحكام .

ثم خاطب بالاستئذان المستأذن عليه لا المستأذن والسادات والآباء ومن له الصغار حين{[14203]} قال : ]ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم[ وذلك الخطاب ، والله أعلم ، يخرج مخرج الأمر للآباء والسادات بتعليم أمور الدين والقيام بما يحتاجون إليه والتأديب على ذلك ، إن أبت أنفسهم .

وكذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين{[14204]} قال : " مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبعا ، واضربوهم إذا بلغوا عشرا ، وفرقوا بينهم في المضاجع " ( أحمد : 2/180 ) خاطب به الآباء والأولياء أن يأمروهم بأمور الدين أمر العبادة{[14205]} والتعليم لهم والتأديب إن امتنعوا عن ذلك ، ولم يخاطبهم في أنفسهم لجهلهم وقلة معرفتهم بأمرهم .

وإذا بلغوا ، وعرفوا الأمر ، فعند ذلك خاطبهم بأنفسهم بالاستئذان حين{[14206]} قال : ]وإذا بلغ الأطفال منكم/372- ب/ الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم[ ( النور : 59 ) خاطبهم إذا بلغوا ( الحلم ){[14207]} وأمرهم بالاستئذان في أنفسهم . وما داموا صغار خاطب به الآباء والأولياء لما لا يجري عليهم القلم .

وليس الخطاب والأمر والنهي إلا لجرية القلم عليهم ، وترك الأمر والخطاب لدفع القلم عنهم .

وأما أمر الآباء لهم بذلك فيخرج مخرج الشفقة لهم عليهم والقيام لبعض مصالحهم . وذلك جائز .

ثم اختلف في ما ملكت أيماننا قال جماعة ( من أهل التأويل ){[14208]} : هن النساء دون الرجال . وأما الرجال فإنهم يستأذنون في جميع الأوقات .

وقال بعضهم : هم النساء والرجال جميعا ، والنهي عن الدخول في هذه الأوقات الثلاث ؛ إذ هذه أوقات غرة وساعات غفل للذكور والإناث جميعا .

ومنهم من يقول : الكبار منهم دون الصغار .

والأشبه أن يكون في الصغار منهم لأن الكبار منهم والأحرار سواء في خطر النظر إلى العورة وإباحته .

ألا ترى أنه قال : ]والذين لم يبلغوا الحلم منكم( ؟ وهم الأحرار والصغار . فعلى ذلك قوله : ]ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم[ الصغار منهم . أمر السادات بتعليم ما ذكرنا من الأمور ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ]والذين لم يبلغوا الحلم منكم[ هذا يحتمل وجهين : يحتمل قوله : ]لم يبلغوا الحلم[ أي لم يحتملوا{[14209]} ويحتمل : ]لم يبلغوا الحلم[ أي لم يبلغوا مبلغ الحلم بعد ما جعلهم في مراتب ثلاث ؛ أعني الصغار :

في حال لا يؤمرون ، ولا ينهون ، وهي الحال التي لا يميزون بين العورة وبين غير العورة ، وهي{[14210]} ما قال : [ أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء[ ( النور : 31 ) أي لا يعرفون العورة من غير العورة .

وحال يعرفون ذلك إلا أنه لا تقع لهم الحاجة إليها ، فيؤمرون بالستر عنهم .

وحال تقع ( لهم ){[14211]} الحاجة إليها وقضاء الوطر ، فيؤمرون بالحجاب والتفريق في المضاجع ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ]ثلاث مرات قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم[ يحتمل قوله : ]ثلاث عورات لكم[ وجهين : أحدهما ثلاث أوقات : عورات لكم وساعاتها .

( والثاني ){[14212]} : ]ثلاث عورات[ أي ثلاث حالات : تظهر فيها العورة كقوله ]إن بيوتنا عورة[ ( الأحزاب : 13 ) أي ليست{[14213]} مما يمنع السارق{[14214]} عن السرقة فيها .

وفيه أن العمل بالاجتهاد في الأغلب والأكثر{[14215]} من الرأي ، والأمر ليس ( في الحقيقة جائزا ، لأنه ){[14216]} قد سمى ثلاث عورات في الأمر ، ونهى عن الدخول بلا استئذان ، وإن كان يجوز أن تكون العورة مستورة ، وأباح في غيرها من الأوقات الدخول بلا استئذان .

ويجوز أن يكون هنالك كشف العورة حين{[14217]} قال : ]ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن[ أي بعد ثلاث ساعات هم{[14218]} ]طوافون عليكم بعضكم على بعض[ لكنه أباح وحظر بالأغلب والأكثر{[14219]} لا على الحقيقة وهكذا العمل بالاجتهاد ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ]طوافون عليكم[ أي يخدمونكم بعد هذه ثلاث ساعات ، وفي الثلاث لا .

قال القتبي : ]الذين ملكت أيمانكم[ العبيد والإماء ]ثلاث عورات لكم[ يريد هذه الأوقات لأنها أوقات التجرد وظهور العورة : أما قبل الفجر فليخرج من الثياب للنوم ]بعدهن[ أي بعد هذه الأوقات . ثم قال : ]طوافون عليكم[ يريد أنهم خدمكم ، فلا باس بأن يدخلوا . قال الله تعالى : ]يطوف عليهم ولدان مخلدون[ ( الواقعة : 17 ) أي يطوف عليهم في الخدمة .

وقال أبو عوسجة : ( الظهيرة[ نصف النهار ، وظهاير جمع ، وأظهرت أي دخلت في الظهيرة .


[14198]:من م، ساقطة من الأصل.
[14199]:من م، في الأصل: أيقظ.
[14200]:من م: ساقطة من الأصل.
[14201]:في الأصل وم: بإذنه.
[14202]:في الأصل وم:لها.
[14203]:في الأصل وم: حيث.
[14204]:في الأصل وم: حيث.
[14205]:في الأصل وم: عادة.
[14206]:في الأصل وم حيث.
[14207]:ساقطة من الصل وم.
[14208]:ساقطة من الأصل وم.
[14209]:في الأصل يحتمل.
[14210]:في الأصل وم وهو.
[14211]:ساقطة من الأصل وم.
[14212]:في الأصل وم: ويحتمل.
[14213]:في الأصل وم: ليس.
[14214]:في الأصل وم: السرق.
[14215]:في الأصل وم: والأكبر.
[14216]:في الأصل: في الحقيقة جائز لأمر، في م: على الحقيقة جائز لأنه.
[14217]:في الأصل وم: حيث.
[14218]:ساقطة من الأصل وم.
[14219]:في الأصل وم: والأكبر.