وبعد أن بين - سبحانه - أن معرفة حقيقتها أمر عسير . . أتبع ذلك ببيان أحوال الناس وقت وقوعها فقال : { يَوْمَ يَكُونُ الناس كالفراش المبثوث } .
و " يوم " منصوب بفعل مقدر . والفراش : هو الحشرة التى تتهافت نحو النار ، وسمى بذلك ؛ لأنه يتفرش وينتشر من حولها .
والمبثوث : المنتشر المتفرق . تقول : بثثت الشيء ، إذا فرقته ، ومنه قوله - تعالى - : { وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ } أي : متناثرة متفرقة .
أي : تحصل القارعة يوم يكون الناس فى انتشارهم وكثرتهم واضطرابهم وإقبالهم نحو الداعي لهم نحو أرض المحشر . . كالحشرات الصغيرة المتهافتة نحو النار .
فأنت ترى أنه - سبحانه - قد شبه الناس فى هذا الوقت العصيب بالفراش المتفرق المنتشر فى كل اتجاه ، وذلك لأن الناس فى هذا اليوم يكونون فى فزع ، يجعل كل واحد منهم مشغولا بنفسه ، وفى حالة شديدة من الخوف والاضطراب .
و «الفراش » : طير دقيق يتساقط في النار ويقصدها ، ولا يزال يقتحم على المصباح ونحوه حتى يحترق ، ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم : «أنا آخذ بحجزكم عن النار ، وأنتم تقتحمون فيها تقاحم الفراش والجنادب{[11958]} » ، وقال الفراء : «الفراش » في الآية : غوغاء الجراد ، وهو صغيره الذي ينتشر في الأرض والهواء ، و { المبثوث } هنا معناه : المتفرق ، جمعه وجملته موجودة متصلة ، وقال بعض العلماء : الناس أول قيامهم من القبور { كالفراش المبثوث } ؛ لأنهم يجيئون ويذهبون على غير نظام ، يدعوهم الداعي فيتوجهون إلى ناحية المحشر فهم حينئذ كالجراد المنتشر ؛ لأن الجراد إنما توجهه إلى ناحية مقصودة .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم أخبر عنها ، فقال :{ يوم يكون الناس كالفراش المبثوث } يقول : إذا خرجوا من قبورهم تجول بعضهم في بعض ، فشبههم بالفراش المبثوث .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره : القارعة يوم يكون الناس كالفَراش ، وهو الذي يتساقط في النار والسراج ، ليس ببعوض ولا ذباب ، ويعني بالمبثوث : المفرّق ... وكان بعض أهل العربية يقول : معنى ذلك : كغوغاء الجراد ، يركب بعضه بعضا ، كذلك الناس يومئذ ، يجول بعضهم في بعض .
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
اختلفوا في تأويله من وجوه ، لكنه في الحاصل يرجع إلى معنى واحد : فمنهم من قال : أي كالجراد المنتشر حين أرادت الطيران ، ومنهم من قال : كالجراد الذي يموج بعضهم في بعض ، ومنهم من قال : { كالفراش المبثوث } الذي يتهافت في النار ، فيحترق . وكل ذلك يؤدي معنى الحيرة والاضطراب من هول ذلك اليوم . وأصل ذلك قوله تعالى : { وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد } ( الحج : 2 ) فكأن الله تعالى قال : إنهم يصيرون في الحيرة من هول ذلك اليوم وشدته كالطائر الذي لا يدري أين يطير ؟ وأين يثبت ؟ وأين ينزل ؟ ...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
...والمبثوث : المتفرق في الجهات ، كأنه محمول على الذهاب فيها ...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
شبههم بالفراش في الكثرة والانتشار والضعف والذلة ، والتطاير إلى الداعي من كل جانب ، كما يتطاير الفراش إلى النار ... وفي أمثالهم : أضعف من فراشة ، وأذل وأجهل . وسمى فراشا : لتفرّشه وانتشاره .
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
و «الفراش » : طير دقيق يتساقط في النار ويقصدها ، ولا يزال يقتحم على المصباح ونحوه حتى يحترق ... وقال بعض العلماء : الناس أول قيامهم من القبور { كالفراش المبثوث } ؛ لأنهم يجيئون ويذهبون على غير نظام ، يدعوهم الداعي فيتوجهون إلى ناحية المحشر فهم حينئذ كالجراد المنتشر ؛ لأن الجراد إنما توجهه إلى ناحية مقصودة .
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
فحصل في هذه الآية تهويل شديد بثمانية طرق : وهي الابتداء باسم القارعة ، المؤذن بأمر عظيم ، والاستفهام المستعمل في التهويل ، والإِظهار في مقام الإِضمار أول مرة ، والاستفهامُ عما ينْبئ بكنه القارعة ، وتوجيهُ الخطاب إلى غير معين ، والإِظهار في مقام الإِضمار ثاني مرة ، والتوقيتُ بزمان مجهولٍ حصوله وتعريف ذلك الوقت بأحوال مهولة . ...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
«الفراش » جمع فراشة ، وهي الحشرة المعروفة ذات الألوان الزاهية ، وقيل : إنّها الجراد . ويبدو أنّ هذا المعنى مستلهم من قوله تعالى حيث يصف النّاس يوم القيامة : { كأنّهم جراد منتشر } ، لكن المعنى اللغوي للكلمة هو الحشرة المعروفة . والتشبيه بالفراش قد يكون لأن هذه الحشرات تلقي بنفسها بشكل جنوني في النّار ، وهذا ما يفعله أهل السيئات ؛ إذ يلقون بأنفسهم في جهنّم . ويحتمل أن يكون التشبيه لما يصيب جميع النّاس في ذلك اليوم من حيرة . وإن كان الفراش بمعنى الجراد ، فوجه التشبيه هو أنّ الجراد خلافاً لكل الحيوانات التي تطير بشكل جماعي ليس لها مسير مشخص في حركتها ، وكل منها يطير في اتجاه . ...