المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيۡهِمۡ سَمۡعُهُمۡ وَأَبۡصَٰرُهُمۡ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (20)

20- حتى إذا ما جاءوا النار وسئلوا عما ارتكبوا من الآثام في الدنيا ، فأنكروا ، شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون في الدنيا .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيۡهِمۡ سَمۡعُهُمۡ وَأَبۡصَٰرُهُمۡ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (20)

قوله تعالى : { حتى إذا ما جاؤوها } جاؤوا النار ، { شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم } أي : بشراتهم ، { بما كانوا يعملون } قال السدي وجماعة : المراد بالجلود الفروج . وقال مقاتل : تنطق جوارحهم بما كتمت الألسن من عملهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيۡهِمۡ سَمۡعُهُمۡ وَأَبۡصَٰرُهُمۡ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (20)

ثم بين - سبحانه - أحوالهم عندما يعرضون على النار فقال : { حتى إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } .

والمراد بشهادة هذه الأعضاء عليهم : أنها تنطق - بإذن الله - تعالى - وتخبر بام اجترحوه من سيئات ، وبما فعلو من قبائح .

قال صاحب الكشاف ما ملخصه " فإن قلت " ما " فى قوله { حتى إِذَا مَا جَآءُوهَا } ما هى ؟

قلت : مزيدة للتأكيد ، ومعنى التأكيد فيها : أن وقت مجيئهم النار لا محالة أن يكون وقت الشهادة عليهم ، ولا وجه لأن يخلو منها . . .

فإن قلت : كيف تشهد عليهم أعضاؤهم وكيف تنطق ؟

قلت : الله - عز وجل - ينطقها . . . بأن يخلق فيها كلاما . .

وشهادة الجلود بالملامسة للحرام ، وما أشبه ذلك مما يفضى إليها من المحرمات . وقيل : المراد بالجلود الجوارح - وقيل : هو كناية عن الفروج . .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيۡهِمۡ سَمۡعُهُمۡ وَأَبۡصَٰرُهُمۡ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (20)

والآن وقد كشف لهم عن سلطان الله في فطرة الكون ؛ وسلطان الله في تاريخ البشر ، يطلعهم على سلطان الله في ذوات أنفسهم ، التي لا يملكون منها شيئاً ، ولا يعصمون منها شيئاً من سلطان الله . حتى سمعهم وأبصارهم وجلودهم تطيع الله وتعصيهم في الموقف المشهود ، وتكون عليهم بعض الشهود :

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيۡهِمۡ سَمۡعُهُمۡ وَأَبۡصَٰرُهُمۡ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (20)

وقوله : { حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا } أي : وقفوا عليها ، { شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } {[25658]} أي : بأعمالهم مما قدموه وأخروه ، لا يُكْتَم منه حرف .


[25658]:- (2) في ت: "يكسبون" وهو خطأ.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيۡهِمۡ سَمۡعُهُمۡ وَأَبۡصَٰرُهُمۡ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (20)

وقوله : حتى إذَا ما جاؤها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وأبْصَارُهُمْ يقول : حتى إذا ما جاؤوا النار شهد عليهم سمعهم بما كانوا يصغون به في الدنيا إليه ، ويستمعون له ، وأبصارهم بما كانوا يبصرون به وينظرون إليه في الدنيا وَجُلُودُوهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ .

وقد قيل : عُني بالجلود في هذا الموضع : الفروج . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب القمي ، عن الحكم الثقفي ، رجل من آل أبي عقيل رفع الحديث ، وقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا إنما عُني فروجهم ، ولكن كني عنها .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : حدثنا حرملة ، أنه سمع عبيد الله بن أبي جعفر ، يقول حتى إذَا ما جاؤها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وأبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ قال : جلودهم : الفروج .

وهذا القول الذي ذكرناه عمن ذكرنا عنه في معنى الجلود ، وإن كان معنى يحتمله التأويل ، فليس بالأغلب على معنى الجلود ولا بالأشهر ، وغير جائز نقل معنى ذلك المعروف على الشيء الأقرب إلى غيره إلا بحجة يجب التسليم لها .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيۡهِمۡ سَمۡعُهُمۡ وَأَبۡصَٰرُهُمۡ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (20)

و : { حتى } غاية لهذا الحشر المذكور ، وهذا وصف حال من أحوالهم في بعض أوقات القيامة ، وذلك عند وصولهم إلى جهنم فإن الله تعالى يستقرهم عند ذلك على أنفسهم ويسألون سؤال توبيخ عن كفرهم فينكرون ذلك ويحسبون أن لا شاهد عليهم ، ويظنون السؤال سؤال استفهام واستخبار ، فينطق الله تعالى جوارحهم بالشهادة عليهم ، فروي عن النبي عليه السلام «أن أول ما ينطق من الإنسان فخذه الأيسر ثم تنطق الجوارح ، » فيقول الكافر : تباً لك أيها الأعضاء ، فعنك كنت أدافع{[10059]} . وفي حديث آخر : «يجيئون يوم القيامة على أفواههم الفدام فيتكلم الفخذ والكف »{[10060]} .


[10059]:أخرج ابن جرير عن عقبة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أول عظم يتكلم من الأسنان يوم يختم على الأفواه فخذه من الرجل الشمال). وأخرج أيضا عن أنس قال: (ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم حتى بدت نواجذه، ثم قال: ألا تسألوني مم ضحكت؟ قالوا: مم ضحكت يا رسول الله؟ قال: عجبت من مجادلة العبد ربه يوم القيامة، قال: يقول: يا رب أليس وعدتني ألا تظلمني؟ قال: فإن لك ذلك، قال: فإني لا أقبل علي شاهدا إلا من نفسي، قال: أو ليس كفى بي شهيدا وبالملائكة الكرام الكاتبين؟ قال: فيختم على فيه، وتتكلم أركانه بما كان يعمل، قال: فيقول لهن: بعدا لكن وسحقا، عنكن كنت أجادل)، وفي ابن كثير أن الحافظ أبا بكر البزار أخرجه عن أنس أيضا، وان مسلم والنسائي أخرجاه عن الثوري، وزاد السيوطي نسبته إلى ابن أبي الدنيا في التوبة، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في الأسماء والصفات، وأخرج مثله مسلم، والترمذي، وابن مردويه، والبيهقي، عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما.
[10060]:أخرجه عبد الرزاق، وأحمد، والنسائي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وصححه، والبيهقي في البعث عن معاوية بن حيدة رضي الله عنه، ولفظه كما في الدر المنثور: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تحشرون ها هنا- وأومأ بيده إلى الشام- مشاة وركبانا على وجوهكم، وتعرضون على الله وعلى أفواهكم الفدام، وإن أول ما يعرب عن أحدكم فخذه وكفه، وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ}. هذا والفدام: ما يشد على فم الإبريق والكوز من خرقة لتصفية الشراب الذي فيه، أي أنهم يمنعون الكلام حتى تتكلم جوارحهم، فشبه ذلك بالفدام.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيۡهِمۡ سَمۡعُهُمۡ وَأَبۡصَٰرُهُمۡ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (20)

و{ حتى } ابتدائية وهي مفيدة لمعنى الغاية فهي حرف انتهاء في المعنى وحرف ابتداء في اللفظ ، أي أن ما بعدها جملة مستأنفة . و { إذا } ظرف للمستقبل متضمن معنى الشرط وهو متعلق بجوابه ، و { ما } زائدة للتوكيد بعد { إذَا } تفيد توكيد معنى { إذَا } من الارتباط بالفعل الذي بعد { إذا } سواء كانت شرطية كما في هذه الآية أم كانت لمجرد الظرفية كقوله تعالى : { وإذا ما غضبوا هم يغفرون } [ الشورى : 37 ] . ويظهر أن ورود { مَا } بعد { إذا } يقوّي معنى الشرط في { إذا } ، ولعلهُ يكون معنى الشرط حينئذٍ نصاً احتمالاً . وضمير المؤنث الغائب في { جَاءُوهَا } عائد إلى { النَّارِ } ، أي إذا وصلوا إلى جهنم .

وجملة { شَهِدَ عَلَيهِم سَمْعُهُم وأبصارهم } الخ يقتضي كلام المفسرين أنها جواب { إذا } ، فاقتضى الارتباط بين شرطها وجوابها وتعليقها بفعل الجواب . واستشعروا أن الشهادة عليهم تكون قبل أن يوجهوا إلى النار ، فقدَّروا فِعلاً محذوفاً تقديره : وسُئلوا عما كانوا يفعلون فأنكروا فشهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم ، يعني : سألهم خزنة النار .

وأحسنُ من ذلك أن نقول : إن جواب { إذا } محذوف للتهويل وحذف مثله كثير في القرآن ، ويكون جملة { شَهِدَ عَلَيهِم سَمْعُهُم } إلى آخرها مستأنفة استئنافاً بيانياً نشأ عن مفاد { حتى } من الغاية لأن السائل يتطلب ماذا حصل بين حشرهم إلى النار وبين حضورهم عند النار فأجيب بأنه { شَهِدَ عَلَيهِم سَمْعُهُم وأبصارهم وَجُلُودُهُم } إلى قوله : { الَّذِي أنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ } ويتضمن ذلك أنهم حوسبوا على أعمالهم وأنكروها فشهدت عليهم جوارحهم وأجسادهم . أو أن يكون جواب { إذا } قوله : { فَإِن يَصْبِرُوا فالنَّارُ مَثْوَىً لَهُم } [ فصلت : 24 ] الخ .

وجملة { شَهِدَ عَلَيهِم سَمْعُهُم وأبصارهم } وما عطف عليها معترضة بين الشرط وجوابه . وشهادة جوارحهم وجلودهم عليهم : شهادة تكذيب وافتضاح لأن كون ذلك شهادة يقتضي أنهم لما رأوا النار اعتذروا بإنكار بعض ذنوبهم طمعاً في تخفيف العذاب وإلا فقد علم الله ما كانوا يصنعون وشهدت به الحفظة وقرىء عليهم كتابُهم ، وما أُحضروا للنار إلا وقد تحققت إدانتهم ، فما كانت شهادة جوارحهم إلا زيادة خزي لهم وتحسيراً وتنديماً على سوء اعتقادهم في سعة علم الله .

وتخصيص السمع والأبصار والجلود بالشهادة على هؤلاء دون بقية الجوارح لأن للسمع اختصاصاً بتلقي دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وتلقي آيات القرآن ، فسمعهم يشهد عليهم بأنهم كانوا يصرفونه عن سماع ذلك كما حكى الله عنهم بقوله : { وَفِي ءَاذَانِنَا وَقْرٌ } [ فصلت : 5 ] ، ولأن للأبصار اختصاصاً بمشاهدة دلائل المصنوعات الدالة على انفراد الله تعالى بالخلق والتدبير فذلك دليل وحدانيته في إلهيته ، وشهادة الجلود لأن الجلد يحوي جميع الجسد لتكون شهادة الجلود عليهم شهادة على أنفسها فيظهر استحقاقها للحرق بالنار لبقية الأجساد دون اقتصار على حرق موضع السمع والبصر .

ولذلك اقتصروا في توجيه الملامة على جلودهم لأنها حاوية لجميع الحواس والجوارح ، وبهذا يظهر وجه الاقتصار على شهادة السمع والأبصار والجلود هنا بخلاف آية سورة النور ( 24 ) { يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون } ، لأن آية النور تصف الذين يرمون المحصنات وهم الذين اختلقوا تهمة الإِفك ومشَوا في المجامع يُشيعونها بين الناس ويشيرون بأيديهم إلى من اتهموه إفكاً .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيۡهِمۡ سَمۡعُهُمۡ وَأَبۡصَٰرُهُمۡ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (20)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{حتى إذا ما جاءوها} يعني النار وعاينوها، قيل لهم: أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون في الدنيا؟ قالوا عند ذلك: {والله ربنا ما كنا مشركين} [الأنعام:23] فختم الله على أفواههم، وأوحى إلى الجوارح فنطقت بما كتمت الألسن من الشرك، فذلك قوله: {شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم} وأيديهم وأرجلهم.

{بما كانوا يعملون} من الشرك.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"حتى إذَا ما جاؤوها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وأبْصَارُهُمْ" يقول: حتى إذا ما جاؤوا النار، شهد عليهم سمعهم بما كانوا يصغون به في الدنيا إليه، ويستمعون له، وأبصارهم بما كانوا يبصرون به وينظرون إليه في الدنيا "وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ".

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

فإن قلت: (ما) في قوله: {حتى إِذَا مَا جَاءوهَا} ما هي؟ قلت: مزيدة للتأكيد، ومعنى التأكيد فيها: أنّ وقت مجيئهم النار لا محالة أن يكون وقت الشهادة عليهم، ولا وجه لأن يخلو منها، ومثله قوله تعالى: {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ ءامَنْتُمْ بِهِ} [يونس: 51] أي: لا بدّ لوقت وقوعه من أن يكون وقت إيمانهم به شهادة الجلود بالملامسة للحرام، وما أشبه ذلك مما يفضي إليها من المحرّمات.

فإن قلت: كيف تشهد عليهم أعضاؤهم وكيف تنطق؟ قلت: الله عزّ وجلّ ينطقها كما أنطق الشجرة بأن يخلق فيها كلاماً.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{حتى} غاية لهذا الحشر المذكور، وهذا وصف حال من أحوالهم في بعض أوقات القيامة، وذلك عند وصولهم إلى جهنم فإن الله تعالى يستقرهم عند ذلك على أنفسهم ويسألون سؤال توبيخ عن كفرهم فينكرون ذلك ويحسبون أن لا شاهد عليهم، ويظنون السؤال سؤال استفهام واستخبار، فينطق الله تعالى جوارحهم بالشهادة عليهم.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

ما رأيت للمفسرين في تخصيص هذه الأعضاء الثلاثة بالذكر سببا وفائدة، وأقول لا شك أن الحواس خمسة السمع والبصر والشم والذوق واللمس، ولا شك أن آلة اللمس هي الجلد، فالله تعالى ذكر هاهنا من الحواس وهي السمع والبصر واللمس، وأهمل ذكر نوعين وهما الذوق والشم، لأن الذوق داخل في اللمس من بعض الوجوه، لأن إدراك الذوق إنما يتأتى بأن تصير جلدة اللسان والحنك مماسة لجرم الطعام، فكان هذا داخلا فيه فبقي حس الشم وهو حس ضعيف في الإنسان، وليس لله فيه تكليف ولا أمر ولا نهي.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما بين إهانتهم بالوزع، بين غايتها فقال: {حتى إذا} وأكد الكلام لإنكارهم مضمونه بزيادة النافي ليكون اجتماعه مع الإثبات نفياً للضد فيفيد غاية القوة بمضمون الخبر في تحقيقه وثباته واتصاله بالشهادة على الفور فقال: {ما جاؤوها} أي النار التي كانوا بها يكذبون.

{شهد عليهم} حين التكوير فيها مركومين بعضهم على بعض.

ولما كان في مقام الترهيب، وكان التفصيل أهول قال: {سمعهم} أفرده لتقارب الناس فيه.

{وأبصارهم} جمع لعظم التفاوت فيها.

{وجلودهم بما} وأثبت الكون بياناً؛ لأنهم كانوا مطبوعين على ما أوجب لهم النار من الأوزار فقال {كانوا يعملون} أي يجددون عمله مستمرين عليه، فكأن هذه الأعضاء تقول في ذلك الحين إقامة للحجة البالغة: أيها الأكوان والحاضرون من الإنس والملائكة والجان، اعلموا أن صاحبي كان يعمل بي كذا وكذا مع الإصرار، فاستحق بذلك النار، وغضب الجبار -ثم يقذف به.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

الآن وقد كشف لهم عن سلطان الله في فطرة الكون؛ وسلطان الله في تاريخ البشر، يطلعهم على سلطان الله في ذوات أنفسهم، التي لا يملكون منها شيئاً، ولا يعصمون منها شيئاً من سلطان الله، حتى سمعهم وأبصارهم وجلودهم تطيع الله وتعصيهم في الموقف المشهود، وتكون عليهم بعض الشهود...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

شهادة جوارحهم وجلودهم عليهم: شهادة تكذيب وافتضاح؛ لأن كون ذلك شهادة يقتضي أنهم لما رأوا النار اعتذروا بإنكار بعض ذنوبهم طمعاً في تخفيف العذاب، وإلا فقد علم الله ما كانوا يصنعون وشهدت به الحفظة وقرىء عليهم كتابُهم، وما أُحضروا للنار إلا وقد تحققت إدانتهم، فما كانت شهادة جوارحهم إلا زيادة خزي لهم وتحسيراً وتنديماً على سوء اعتقادهم في سعة علم الله. وتخصيص السمع والأبصار والجلود بالشهادة على هؤلاء دون بقية الجوارح؛ لأن للسمع اختصاصاً بتلقي دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وتلقي آيات القرآن، فسمعهم يشهد عليهم بأنهم كانوا يصرفونه عن سماع ذلك كما حكى الله عنهم بقوله: {وَفِي ءَاذَانِنَا وَقْرٌ} [فصلت: 5]؛ ولأن للأبصار اختصاصاً بمشاهدة دلائل المصنوعات الدالة على انفراد الله تعالى بالخلق والتدبير فذلك دليل وحدانيته في إلهيته، وشهادة الجلود لأن الجلد يحوي جميع الجسد لتكون شهادة الجلود عليهم شهادة على أنفسها فيظهر استحقاقها للحرق بالنار لبقية الأجساد دون اقتصار على حرق موضع السمع والبصر؛ ولذلك اقتصروا في توجيه الملامة على جلودهم لأنها حاوية لجميع الحواس والجوارح، وبهذا يظهر وجه الاقتصار على شهادة السمع والأبصار والجلود هنا بخلاف آية سورة النور (24) {يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون}، لأن آية النور تصف الذين يرمون المحصنات وهم الذين اختلقوا تهمة الإِفك ومشَوا في المجامع يُشيعونها بين الناس ويشيرون بأيديهم إلى من اتهموه إفكاً.