المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{لَّا يَمۡلِكُونَ ٱلشَّفَٰعَةَ إِلَّا مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحۡمَٰنِ عَهۡدٗا} (87)

87- ولا يملك الشفاعة في هذا اليوم أحد إلا من يأذن الله تعالى له ، لعهد كان له .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لَّا يَمۡلِكُونَ ٱلشَّفَٰعَةَ إِلَّا مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحۡمَٰنِ عَهۡدٗا} (87)

قوله تعالى : { لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً } ، يعنى لا إله إلا الله . وقيل : معناه لا يشفع الشافعون إلا لمن اتخذ عند الرحمن عهداً ، يعني : المؤمنين ، كقوله : { لا يشفعون إلا لمن ارتضى } [ الأنبياء : 28 ] . وقيل : لا يشفع إلا من شهد أن لا إله إلا الله ، أي لا يشفع إلا المؤمن .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لَّا يَمۡلِكُونَ ٱلشَّفَٰعَةَ إِلَّا مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحۡمَٰنِ عَهۡدٗا} (87)

والضمير فى قوله - تعالى - : { لاَّ يَمْلِكُونَ الشفاعة . . . } يرى بعضهم أنه يعود إلى المجرمين فى قوله { وَنَسُوقُ المجرمين . . . } .

أى : نسوق المجرمين إلى جهنم عطاشا ، حالة كونهم لا يملكون الشفاعة لغيرهم ، ولا يستحقون أن يشفع لهم غيرهم ، لكن من اتخذ عند الرحمن عهدا وهم المؤمنون الصادقون فإنهم يملكون بتمليك الله - تعالى - لهم إياهان وإذنه لهم فيها ، كما قال - تعالى - :

{ مَن ذَا الذي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ . . } وكما قال - سبحانه - : { وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ فِي السماوات لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ الله لِمَن يَشَآءُ ويرضى } وعلى هذا التفسير يكون الاستثناء منقطعاً .

قال القرطبى : " قوله - تعالى - : { لاَّ يَمْلِكُونَ الشفاعة } أى : هؤلاء الكفار لا يملكون الشفاعة لأحد { إِلاَّ مَنِ اتخذ عِندَ الرحمن عَهْداً } وهم المسلمون فيملكونها ، فهو استثناء الشىء من غير جنسه . أى : لكن من اتخذ عند الرحمن عهداً يشفع ، فمن فى موضع نصب على هذا . . . ويرى آخرون أن الضمير فى قوله : { لاَّ يَمْلِكُونَ . . . } يعود إلى فريقى المتقين والمجرمين .

أى : لا يملك أحد من الفريقين يوم القيامة الشفاعة لأحد ، ولا يملك غيرهم الشفاعة لهم ، { إِلاَّ مَنِ اتخذ } منهم { عِندَ الرحمن عَهْداً } وهم المؤمنون فإنهم يملكون بإذن الله لهم .

والمراد بالعهد الأمر والإذن ، يقال : عهد الأمير إلى فلان بكذا ، إذا أمره به . أو أذن له فى فعله .

وعلى هذا يكون الاستثناء متصلاً ، ويكون لفظ { مَنِ } بدل من الواو فى { يَمْلِكُونَ } .

قال الآلوسى ما ملخصه : " قوله { لاَّ يَمْلِكُونَ الشفاعة } ضمير الجمع يعم المتقين والمجرمين ، أى : العباد مطلقاً . . . . وقوله { إِلاَّ مَنِ اتخذ عِندَ الرحمن عَهْداً } اسثناء متصل . . . . والمعنى : لا يملك العباد أن يشفعوا لغيرهم ، إلا من اتصف منهم بما يستأهل معه أن يشفع وهو المراد بالعهد . . . " .

ويبدو لنا أن هذا القول أولى ، لشموله وعمومه إذ الكلام السابق فى الفريقين جميعاً ، فريق المتقين وفريق المجرمين .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَّا يَمۡلِكُونَ ٱلشَّفَٰعَةَ إِلَّا مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحۡمَٰنِ عَهۡدٗا} (87)

ولا شفاعة يومئذ إلا لمن قدم عملا صالحا فهو عهد له عند الله يستوفيه . وقد وعد الله من آمن وعمل صالحا أن يجزيه الجزاء الأوفى ، ولن يخلف الله وعدا .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{لَّا يَمۡلِكُونَ ٱلشَّفَٰعَةَ إِلَّا مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحۡمَٰنِ عَهۡدٗا} (87)

{ لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ } أي : ليس لهم من يشفع لهم ، كما يشفع المؤمنون بعضهم لبعض ، كما قال تعالى مخبرًا عنهم : { فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ } [ الشعراء : 100 ، 101 ]

وقوله : { إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا } : هذا استثناء منقطع ، بمعنى : لكن من اتخذ عند الرحمن عهدًا ، وهو شهادة أن لا إله إلا الله ، والقيام بحقها .

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا } قال : العهد : شهادة أن لا إله إلا الله ، ويبرأ إلى الله من الحول والقوة ، ولا يرجو إلا الله ، عز وجل .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا عثمان بن خالد الواسطي ، حدثنا محمد بن الحسن الواسطي ، عن المسعودي ، عن عون بن عبد الله ، عن أبي فاخِتَةَ ، عن الأسود بن يزيد قال : قرأ عبد الله - يعني ابن مسعود - هذه الآية : { إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا } ثم قال : اتخذوا عند الله عهدًا ، فإن الله يقول يوم القيامة : " من كان له عند الله عهد فليقم " قالوا : يا أبا عبد الرحمن ، فَعلمنا . قال : قولوا : اللهم ، فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، فإني أعهد إليك في هذه الحياة الدنيا أنك إن تكلني إلى عمل تقربني من الشر وتباعدني{[19144]} من الخير ، وإني لا أثق إلا برحمتك ، فاجعل{[19145]} لي عندك عهدًا تُؤدّيه إلي يوم القيامة ، إنك لا تخلف الميعاد .

قال المسعودي : فحدثني زكريا ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، أخبرنا ابن مسعود : وكان يُلْحِقُ بهن : خائفًا مستجيرًا مستغفرًا ، راهبًا راغبًا إليك{[19146]} .

ثم رواه من وجه آخر ، عن المسعودي ، بنحوه .


[19144]:في ف، أ: "ويباعوني".
[19145]:في أ: "فاجعله".
[19146]:ورواه الحاكم في المستدرك (2/377) من طريق عبد الرحمن بن سعد عن المسعودي عن عون عن الأسود بن يزيد عن ابن مسعود بنحوه، ولم يذكر أبا فاختة، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لَّا يَمۡلِكُونَ ٱلشَّفَٰعَةَ إِلَّا مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحۡمَٰنِ عَهۡدٗا} (87)

القول في تأويل قوله تعالى : { لاّ يَمْلِكُونَ الشّفَاعَةَ إِلاّ مَنِ اتّخَذَ عِندَ الرّحْمََنِ عَهْداً } .

يقول تعالى ذكره : لا يملك هؤلاء الكافرون بربهم يا محمد ، يوم يحشر الله المتقين إليه وفدا الشفاعة ، حين يشفع أهل الإيمان بعضهم لبعض عند الله ، فيشفع بعضهم لبعض إلاّ مَنِ اتّخَذَ منهم عِنْدَ الرّحْمَنِ في الدنيا عَهْدا بالإيمان به ، وتصديق رسوله ، والإقرار بما جاء به ، والعمل بما أمر به . كما :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : إلاّ مَنِ اتّخَذَ عِنْدَ الرّحْمَنِ عَهْدا قال : العهد : شهادة أن لا إله إلا الله ، ويتبرأ إلى الله من الحول والقوّة ولا يرجو إلا الله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قوله : لا يَمْلِكُونَ الشّفاعةَ إلاّ مَنِ اتّخَذَ عِنْدَ الرّحْمَنِ عَهْدا قال : المؤمنون يومئذ بعضهم لبعض شفعاء إلاّ مَنِ اتّخَذَ عِنْدَ الرّحْمَنِ عَهْدا قال : عملاً صالحا .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : لا يَمْلِكُونَ الشّفاعَةَ إلاّ مَنِ اتّخَذَ عِنْدَ الرّحْمَنِ عَهْدا : أي بطاعته ، وقال في آية أخرى : لا تَنْفَعُ الشّفاعَةُ إلاّ مَنْ أذِنَ لَهُ الرّحْمَنُ وَرَضي لَهُ قَوْلاً ليعلموا أن الله يوم القيامة يشفع المؤمنين بعضهم في بعض ، ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : «إنّ فِي أُمّتِي رَجُلاً لَيُدْخِلَنّ اللّهُ بِشَفاعَتِهِ الجَنّةَ أكْثَرَ مِنْ بني تمِيمِ » ، وكنّا نحدّث أن «الشهيد يشفع في سبعين من أهل بيته » .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أبي المليح ، عن عوف بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ شفَاعَتِي لِمَنْ ماتَ مِنْ أُمّتِي لا يُشْرِكُ باللّهِ شَيْئا » .

و «مَن » في قوله : إلاّ مَنْ في موضع نصب على الاستثناء ، ولا يكون خفضا بضمير اللام ، ولكن قد يكون نصبا في الكلام في غير هذا الموضع ، وذلك كقول القائل : أردت المرور اليوم إلا العدوّ ، فإني لا أمر به ، فيستثنى العدوُ من المعنى ، وليس ذلك كذلك في قوله : لا يَمْلِكُونَ الشّفاعَةَ إلاّ مَنِ اتّخَذَ عِنْدَ الرّحْمَنِ عَهْدا لأن معنى الكلام : لا يملك هؤلاء الكفار إلا من آمن بالله ، فالمؤمنون ليسوا من أعداد الكافرين ، ومن نصبه على أن معناه إلا لمن اتخذ عند الرحمن عهدا ، فإنه ينبغي أن يجعل قوله لا يملكون الشفاعة للمتقين ، فيكون معنى الكلام حينئذ يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ، لا يملكون الشفاعة ، إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا . فيكون معناه عند ذلك : إلا لمن اتخذ عند الرحمن عهدا . فأما إذا جعل لا يملكون الشفاعة خبرا عن المجرمين ، فإن «من » تكون حينئذ نصبا على أنه استثناء منقطع ، فيكون معنى الكلام : لا يملكون الشفاعة ، لكن من اتخذ عند الرحمن عهدا يملكه .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{لَّا يَمۡلِكُونَ ٱلشَّفَٰعَةَ إِلَّا مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحۡمَٰنِ عَهۡدٗا} (87)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: لا يملك هؤلاء الكافرون بربهم يا محمد، يوم يحشر الله المتقين إليه وفدا الشفاعة، حين يشفع أهل الإيمان بعضهم لبعض عند الله، فيشفع بعضهم لبعض "إلاّ مَنِ اتّخَذَ "منهم "عِنْدَ الرّحْمَنِ" في الدنيا "عَهْدا" بالإيمان به، وتصديق رسوله، والإقرار بما جاء به، والعمل بما أمر به...

عن ابن عباس، قوله: إلاّ مَنِ اتّخَذَ عِنْدَ الرّحْمَنِ عَهْدا قال: العهد: شهادة أن لا إله إلا الله، ويتبرأ إلى الله من الحول والقوّة ولا يرجو إلا الله...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

وذلك العهدُ حِفْظُهم في دنياهم ما أُخِذَ عليهم -يومَ الميثاق- من القيام بالشهادة بوحدانية مولاهم.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

{لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ} أي: ليس لهم من يشفع لهم، كما يشفع المؤمنون بعضهم لبعض، كما قال تعالى مخبرًا عنهم: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء: 100، 101] وقوله: {إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا}: هذا استثناء منقطع، بمعنى: لكن من اتخذ عند الرحمن عهدًا، وهو شهادة أن لا إله إلا الله، والقيام بحقها...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

معنى {لا يملكون} لا يستطيعون، فإنّ المِلك يطلق على المقدرة والاستطاعة...

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

الكافر حين يباشر العذاب يطمع أول ما يطمع في أن يشفع له معبوده، ويخرجه مما هو فيه لكن هيهات، ألم تقرأ قول الحق تبارك وتعالى: {ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون "5 "وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين "6 "} (سورة الأحقاف).

لذلك يقول تعالى عن هؤلاء يوم القيامة: {لا يملكون الشفاعة.." 87 "} (سورة مريم): لأن الشفاعة لا تكون إلا لمن أخذ الإذن بها: {إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً} (سورة مريم).

والعهد الذي تأخذه على الله بالشفاعة أن تقدم من الحسنات ما يسع تكاليفك أنت، ثم تزيد عليها ما يؤهلك لأن تشفع للآخرين، والخير لا يضيع عند الله، فما زاد عن التكليف فهو في رصيدك في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، ولا يهمل مثقال ذرة.

وعلى المؤمن مهما كان مسرفاً على نفسه ساعة يرى إنساناً مقبلاً على الله مستزيداً من الطاعات أن يدعو له بالمزيد، وأن يفرح به؛ لأن فائض طاعاته لعله يعود عليك، ولعلك تحتاج شفاعته في يوم من الأيام...

وما أشبه الشفاعة في الآخرة بما حدث بيننا من شفاعة في الدنيا، فحين يستعصي عليك قضاء مصلحة يقولون لك: اذهب إلى فلان وسوف يقضيها لك. وفعلاً يذهب معك فلان هذا، ويقضي لك حاجتك، فلماذا قضيت على يديه هو؟ لابد أن له عند صاحب الحاجة هذه أيادي لا يستطيع معها أن يرد له طلباً.

إذن: لابد لمن يشفع أن يكون له رصيد من الطاعات يسمح له بالشفاعة، وإذا تأملت لوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من قدم رصيداً إيمانياً وسع تكليفه وتكليف أمته، ألم يخبر عنه ربه بقوله: {يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين.. "61 "} (سورة التوبة): لذلك وجبت له الشفاعة، وأذن له فيها.

والحق تبارك وتعالى لا يغفل الرصيد في خلقه أبداً، فكل ما قدمت من طاعات فوق ما كلفك الله به مدخر لك، حتى أن الإنسان إذا اتهم ظلماً، وعوقب على عمل لم يرتكبه فإن الله يدخرها له ويستر عليه ما ارتكبه فعلاً فلا يعاقب عليه.

فالعهد إذن في قوله تعالى: {إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً}

أن تدخل مع ربك في مقام الإحسان، ولا يدخل هذا المقام إلا من أدى ما عليه من تكليف، وإلا فكيف تكون محسناً وأنت مقصر في مقام الإيمان؟...