المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{عَسَىٰ رَبُّهُۥٓ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبۡدِلَهُۥٓ أَزۡوَٰجًا خَيۡرٗا مِّنكُنَّ مُسۡلِمَٰتٖ مُّؤۡمِنَٰتٖ قَٰنِتَٰتٖ تَـٰٓئِبَٰتٍ عَٰبِدَٰتٖ سَـٰٓئِحَٰتٖ ثَيِّبَٰتٖ وَأَبۡكَارٗا} (5)

5- عسى ربُّه إن طلقكن - أيتها الزوجات - أن يزوجه بدلا منكن زوجات خاضعات لله بالطاعة ، مصدقات بقلوبهن . خاشعات لله . رجّاعات إلى الله . متعبدات متذللات له . ذاهبات في طاعة الله كل مذهب ، ثيبات وأبكاراً .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{عَسَىٰ رَبُّهُۥٓ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبۡدِلَهُۥٓ أَزۡوَٰجًا خَيۡرٗا مِّنكُنَّ مُسۡلِمَٰتٖ مُّؤۡمِنَٰتٖ قَٰنِتَٰتٖ تَـٰٓئِبَٰتٍ عَٰبِدَٰتٖ سَـٰٓئِحَٰتٖ ثَيِّبَٰتٖ وَأَبۡكَارٗا} (5)

{ عسى ربه إن طلقكن } أي : واجب من الله إن طلقكن رسوله ، { أن يبدله أزواجاً خيراً منكن مسلمات } خاضعات لله بالطاعات ، { مؤمنات } مصدقات بتوحيد الله ، { قانتات } طائعات ، وقيل : داعيات . وقيل : مصليات ، { تائبات عابدات سائحات } صائمات ، وقال زيد بن أسلم : مهاجرات وقيل : يسحن معه حيث ما ساح ، { ثيبات وأبكاراً } وهذا في الإخبار عن القدرة لا عن الكون لأنه قال : { إن طلقكن } وقد علم أنه لا يطلقهن وهذا كقوله : { وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم }( محمد- 38 ) وهذا في الإخبار عن القدرة لأنه ليس في الوجود أمة خير من أمة محمد صلى الله عليه وسلم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{عَسَىٰ رَبُّهُۥٓ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبۡدِلَهُۥٓ أَزۡوَٰجًا خَيۡرٗا مِّنكُنَّ مُسۡلِمَٰتٖ مُّؤۡمِنَٰتٖ قَٰنِتَٰتٖ تَـٰٓئِبَٰتٍ عَٰبِدَٰتٖ سَـٰٓئِحَٰتٖ ثَيِّبَٰتٖ وَأَبۡكَارٗا} (5)

ثم أضاف - سبحانه - إلى تكريمه لنبيه تكريما آخر ، وإلى تهديده لمن تسىء إليه من أزواجه تهديدا آخر فقال - تعالى - : { عسى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ } .

قال الجمل ما ملخصه : سبب نزولها أنه - صلى الله عليه وسلم - لما أشاعت حفصة ما أسرها به ، اغتم - صلى الله عليه وسلم - وحلف أن لا يدخل عليهن شهرا مؤاخذة لهن .

ولما بلغ عمر - رضى الله عنه - أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قد اعتزل نساءه . . . قال له يا رسول الله : لا يشق عليك أمر النساء ، فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل ، وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك .

قال عمر : وقلما تكلمت بكلام إلا رجوت أن الله يصدق قولى الذى أقوله فنزلت هذه الآية .

فاستأذن عمر النبى - صلى الله عليه وسلم - أن يخبر الناس أنه لم يطلق نساءه فأذن له فقام على باب المسجد ، ونادى بأعلى صوته : لم يطلق النبى - صلى الله عليه وسلم - نساءه .

و { عسى } كلمت تستعمل فى الرجاء ، والمراد بها هنا التحقيق ، لأنها صادرة عن الله - عز وجل - .

قال الآلوسى : { عسى } فى كلامه - تعالى - للوجوب ، وأن الوجوب هنا إنما هو بعد تحقق الشرط وقيل : هى كذلك إلا هنا ، والشرط معترض بين اسم { عسى } وخبرها .

والجواب محذوف . أى : إن طلقكن فعسى . . . و { أَزْوَاجاً } مفعلو ثان ل { يُبْدِلَ } و { خَيْراً } صفته .

أى : عسى إن طلقكن رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - بإذن ربه ومشيئته ، أن يبدله - سبحانه - أزواجا خيرا منكن .

ثم وصف - سبحانه - هؤلاء الأزواج بقوله { مُسْلِمَاتٍ } منقادات ومطيعات لله ولرسوله ، ومتصفات بكل الصفات التى أمر بها الإسلام .

{ مُّؤْمِنَاتٍ } أى : مذعنات ومصدقات بقلوبهن لكل ما جاء به النبى - صلى الله عليه وسلم - من عند ربه .

{ قَانِتَاتٍ } أى : قائمات بالطاعة لله ولرسوله على أكمل وجه .

{ تَائِبَاتٍ } أى : مقلعات عن الذنوب والمعاصى ، وإذا مسهن شىء منها ندمن وتبن إليه - تعالى - توبة صادقة نصوحا .

{ عَابِدَاتٍ } أى : مقبلات على عبادته - تعالى - إقبالا عظيما .

{ سَائِحَاتٍ } أى : ذاهبات فى طاعة الله أى مذهب ، من ساح الماء : إذا سال فى انحاء متعددة ، وقيل معناه : مهاجرات . وقيل : صائمات . تشبيها لهن بالسائح الذى لا يصحب معه الزاد غالبا فلا يزال ممسكا عن الطعام حتى يجده .

{ ثَيِّبَاتٍ } جمع ثيب - بوزن سيد - وهى المرأة التى سبق لها الزواج ، من ثاب يثوب ثوبا ، إذا رجع ، وسميت المرأة التى سبق لها الزواج بذلك . لأنها ثابت إلى بيت أبويها بعد زواجها ، أو رجعت إلى زوج آخر غير زوجها الأول .

{ وَأَبْكَاراً } جمع بكر ، وهى الفتاة العذراء التى لم يسبق لها الزواج ، وسميت بذلك لأنها لا تزال على أول حالتها التى خلقت عليها .

وهذه الصفات جاءت منصوبة على أنها نعت لقوله { أَزْوَاجاً } . أو حال .

ولم يعطف بعضها على بعض بالواو ، لأجل التنصيص على ثبوت جميع تلك الصفات لكل واحدة منهن .

وعطف - سبحانه - { وَأَبْكَاراً } على ما قبله لتنافى الوصفين ، إذ الثيبات لا يوصفن بالأبكار ، وكذلك الأبكار لا يوصفن بالثيبات ، ولا يجتمع الوصفان فى ذات واحدة .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : كيف تكون المبدلات خيراً منهن ، ولم يكن على وجه الأرض نساء خير من أمهات المؤمنين ؟

قلت : إذا طلقهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعصيانهن له ، وإيذائهن إياه ، لم يبقين على تلك الصفة ، وكان غيرهن من الموصوفات بهذه الأوصاف مع الطاعة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - والنزول على هذاه ورضاه خيرا منهن .

فإن قلت : لم أخليت الصفات كلها من العاطف ، ووسط بين الثبات والأبكار ؟ قلت : لأنهما صفتان متنافيتان لا يجتمعان فيهن اجتماع سائر الصفات فيهن ، فلم يكن بد من الواو .

هذا ، موال متأمل فى هذه الآيات الكريمة يراها ترسم جانبا من حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع أزواجه ، وهذا الجانب فيه ما فيه من العظات التى من أبرزها تكريم الله - تعالى - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - وإرشاده إلى ما هو أهدى وأقوم ، وسمو أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - فى معاملته لأهله ، وتحذير أزواجه من أن يتصرفن أى تصرف لا يرغب فيه ، ولا يميل إليه : وتعليم المؤمنين والمؤمنات - فى كل زمان ومكان - كيف تكون العلاقة الطيبة بين الرجال والنساء .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{عَسَىٰ رَبُّهُۥٓ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبۡدِلَهُۥٓ أَزۡوَٰجًا خَيۡرٗا مِّنكُنَّ مُسۡلِمَٰتٖ مُّؤۡمِنَٰتٖ قَٰنِتَٰتٖ تَـٰٓئِبَٰتٍ عَٰبِدَٰتٖ سَـٰٓئِحَٰتٖ ثَيِّبَٰتٖ وَأَبۡكَارٗا} (5)

وكذلك دلاله الآية التالية ، وتفصيل صفات النساء اللواتي يمكن أن يبدل الله النبي بهن من أزواجه ولو طلقهن . مع توجيه الخطاب للجميع في معرض التهديد :

( عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات ، مؤمنات ، قانتات ، تائبات ، عابدات ، سائحات ، ثيبات وأبكارا ) . .

وهي الصفات التي يدعوهن إليها عن طريق الإيحاء والتلميح .

الإسلام الذي تدل عليه الطاعة والقيام بأوامر الدين . والإيمان الذي يعمر القلب ، وعنه ينبثق الإسلام حين يصح ويتكامل . والقنوت وهو الطاعة القلبية . والتوبة وهي الندم على ما وقع من معصية والاتجاه إلى الطاعة . والعبادة وهي أداة الاتصال بالله والتعبير عن العبودية له . والسياحة وهي التأمل والتدبر والتفكر في إبداع الله والسياحة بالقلب في ملكوته . وهن - مع هذه الصفات - من الثيبات ومن الأبكار . كما أن نساءه الحاضرات كان فيهن الثيب وفيهن البكر .

وهو تهديد لهن لا بد كان له ما يقتضيه من تأثير مكايداتهن في قلب رسول الله[ صلى الله عليه وسلم ] وما كان ليغضب من قليل !

وقد رضيت نفس النبي [ صلى الله عليه وسلم ] بعد نزول هذه الآيات ، وخطاب ربه له ولأهل بيته . واطمأن هذا البيت الكريم بعد هذه الزلزلة ، وعاد إليه هدوؤه بتوجيه الله سبحانه . وهو تكريم لهذا البيت ورعاية تناسب دوره في إنشاء منهج الله في الأرض وتثبيت أركانه .

وبعد فهذه صورة من الحياة البيتية لهذا الرجل الذي كان ينهض بإنشاء أمة ، وإقامة دولة ، على غير مثال معروف ، وعلى غير نسق مسبوق . أمة تنهض بحمل أمانة العقيدة الإلهية في صورتها الأخيرة ، وتنشئ في الأرض مجتمعا ربانيا ، في صورة واقعية يتأسى بها الناس .

وهي صورة من حياة إنسان كريم رفيع جليل عظيم . يزاول إنسانيته في الوقت الذي يزاول فيه نبوته . فلا تفترق هذه عن تلك ؛ لأن القدر جرى بأن يكون بشرا رسولا ، حينما جرى بأن يحمله الرسالة الأخيرة للبشر أو منهج الحياة الأخير .

إنها الرسالة الكاملة يحملها الرسول الكامل . ومن كمالها أن يظل الإنسان بها إنسانا . فلا تكبت طاقة من طاقاته البانية ، ولا تعطل استعدادا من استعداداته النافعة ؛ وفي الوقت ذاته تهذبه وتربيه ، وترتفع به إلى غاية مراقيه .

وكذلك فعل الإسلام بمن فقهوه وتكيفوا به ، حتى استحالوا نسخا حية منه . وكانت سيرة نبيهم وحياته الواقعية ، بكل ما فيها من تجارب الإنسان ، ومحاولات الإنسان ، وضعف الإنسان ، وقوة الإنسان ، مختلطة بحقيقة الدعوة السماوية ، مرتقية بها خطوة خطوة - كما يبدو في سيرة أهله وأقرب الناس إليه - كانت هي النموذج العملي للمحاولة الناجحة ، يراها ويتأثر بها من يريد القدوة الميسرة العملية الواقعية ، التي لا تعيش في هالات ولا في خيالات !

وتحققت حكمة القدر في تنزيل الرسالة الأخيرة للبشر بصورتها الكاملة الشاملة المتكاملة . وفي اختيار الرسول الذي يطيق تلقيها وترجمتها في صورة حية . وفي جعل حياة هذا الرسول كتابا مفتوحا يقرؤه الجميع . وتراجعه الأجيال بعد الأجيال . . .