فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{عَسَىٰ رَبُّهُۥٓ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبۡدِلَهُۥٓ أَزۡوَٰجًا خَيۡرٗا مِّنكُنَّ مُسۡلِمَٰتٖ مُّؤۡمِنَٰتٖ قَٰنِتَٰتٖ تَـٰٓئِبَٰتٍ عَٰبِدَٰتٖ سَـٰٓئِحَٰتٖ ثَيِّبَٰتٖ وَأَبۡكَارٗا} (5)

{ عسى ربك إن طلقكن أن يبد له أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا } .

{ عسى ربه إن طلقكن أن يبدله } بالتخفيف والتشديد سبعيتان ، أي يعطيه بدلكن { أزواجا خيرا } أي أفضل { منكن } وقد علم الله سبحانه أنه لا يطلقهن ، ولكن أخبر عن قدرته على أنه إن وقع منه الطلاق أبدله خيرا منهن تخويفا لهن ، وهو كقوله : { وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم } فإنه إخبار عن القدرة ، وتخويف لهم ، والممتنع بمقتضى الآية إنما هو تطليق الكل ، فلا ينافي أنه طلق واحدة ، وأنها لم تبدل ، لأن التبديل إنما هو للكل ، وإنما هو مرتب على تطليق الكل ، وفي الخطيب قيل : كل { عسى } في القرآن واجب الوقوع إلا هذه الآية ، وقيل : هي من الواجب أيضا ، ولكن الله علمه بشرط وهو التطليق للكل ، ولم يطلقهن وفي الكرخي ، قال ابن عرفة : عسى هنا للتخويف لا للوجوب .

ثم نعت سبحانه الأزواج بقوله : { مسلمات } أي قائمات بفرائض الإسلام إما نعت أو حال أو منصوب على الاختصاص وقال سعيد بن جبير مسلمات أي مخلصات مقرات ، وقيل : معناه مسلمات لأمر الله ورسوله { مؤمنات } أي مصدقات بالله وملائكته وكتبه ورسله ، والقدر خيره وشره { قانتات } مطيعات لله ، والقنوت الطاعة ، وقيل : مصليات بالليل ، وقيل : داعيات ، وقيل : طائعات .

{ تائبات } يعني كثيرات التوبة من الذنوب ، تاركات لها ، راجعات إلى الله وإلى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم عن الهفوات والزلات { عابدات } لله متذللات له قال الحسن وسعيد بن جبير : كثيرات العبادة { سائحات } أي صائمات قاله ابن عباس ، وقال زيد بن أسلم والحسن : مهاجرات ، وليس في أمة محمد صلى الله عليه وسلم سياحة إلا الهجرة ، قال ابن قتيبة والفراء وغيرهما : وسمي الصيام سياحة لأن السائح لا زاد معه ، وقيل : المعنى ذاهبات في طاعة الله من ساح الماء إذا ذهب ، وأصل السياحة الجولان في الأرض ، وقيل : يسحن معه حيث ساح وقد مضى الكلام على السياحة في سورة براءة .

{ ثيبات وأبكارا } أي بعضهن كذا وبعضهن كذا ووسط بينهما العاطف لتنافيهما دون سائر الصفات . والثيبات جمع ثيب لا ينقاس ، لأنه اسم جنس مؤنث ووزنها فيعل من ثاب يثوب أي رجع ، وهي المرأة التي قد تزوجت ثم ثابت عن زوجها فعادت كما كانت غير ذات زوج ، وقيل : لأنها ثابت إلى بيت أبويها وهذا صح : لأنه ليس كل ثيب تعود إلى زوجها ، والأبكار جمع بكر هي العذراء سميت بذلك لأنها على أول حالها التي خلقت عليها ، عن بريدة في الآية قال : وعد الله نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية أن يزوجه بالثيب آسية امرأة فرعون وبالبكر مريم بنت عمران . ولا يقال : أي مدح في كونهن ثيبات لأن الثيب قد تمدح من جهة أنها أكثر تجربة وعقلا ، وأسرع حبلا غالبا ، والبكر تمدح من جهة أنها أطهر وأطيب وأكثر مداعبة وملاعبة غالبا .