قوله : { عسى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ } .
قيل : كل «عَسَى » في القرآن واجب إلا هذا .
وقيل : واجب ، ولكن الله - عزَّ وجلَّ - علقه بشرط ، وهو التطليق ولم يطلقهن .
قال النحويون : «إنْ طلَّقكُنَّ » شرط معترض بين اسم «عَسَى » وخبرها ، وجوابه محذوفٌ ، أو متقدم ، أي «إنْ طلقَكُنَّ فَعَسى » .
وأدغم أبو عمرو القاف في الكاف على رأي بعضهم{[57210]} .
قال : وهو أولى من { يَرْزُقُكمْ }[ يونس : 31 ] ، ونحوه لثقل التأنيثِ .
قوله : { أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً } .
قرئ : مخففاً{[57211]} ومشدداً ، كما تقدم في «الكهف » .
والتبديل والإبدال بمعنى كالتنزيل والإنزال .
وقوله : { أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ } .
لأنكن لو كنتن خيراً منهن ما طلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال معناه السديُّ .
وقيل : هذا وعد من الله تعالى لرسوله لو طلقهن في الدنيا أن يزوجه في الآخرة نساء خيراً منهن ، وكان الله عالماً بأنه لا يطلقهن ، ولكن أخبر عن قدرته على أنه إن طلقهن أبدله خيراً منهن تخويفاً لهن ، كقوله تعالى : { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ }[ محمد : 38 ] وهو إخبار عن القدرة وتخويف لهم ، لا أن في الوجودِ من هو خير من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
قوله : { مُسْلِمَاتٍ } إلى آخره . إما نعت أو حال أو منصوب على الاختصاص .
قال سعيد بن جبير : يعني مخلصاتٍ .
وقيل : مسلمات لأمر الله تعالى وأمر رسوله خاضعات لله بالطاعة { مُّؤْمِنَاتٍ } أي : مصدقات بتوحيد الله .
وقيل : مصدقات بما أمرنَ به : ونهين عنه { قَانِتَاتٍ } مطيعات ، والقنوت : الطاعة .
وقيل : مصليات «تائبات » أي : من ذنوبهن ، قاله السديُّ .
وقيل : راجعاتٍ إلى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم تاركاتٍ لمحاب أنفسهن ، { عَابِدَاتٍ } أي : كثيرات العبادةِ لله تعالى .
وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - : كل عبادة في القرآن فهو التوحيد{[57212]} { سَائِحَاتٍ } أي : صائمات ، قاله ابن عبَّاس والحسن وابن جبير{[57213]} .
وقال زيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن ويمان : مهاجرات .
قال زيد : وليس في أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم سياحة إلا الهجرة . والسياحة الجولان في الأرض .
وقال الفرَّاء{[57214]} والقتبي وغيرهما : سمي الصائمُ سائحاً ؛ لأن السائحَ لا زاد معه ، وإنما يأكل من حيث وجد الطعام .
وقيل : ذاهبات في طاعة الله تعالى ، من ساح الماءُ إذا ذهب . وقد مضى في سورة براءة{[57215]} .
وقرأ{[57216]} عمرو{[57217]} بن فائد : «سَيِّحاتٍ » .
قال ابن الخطيب{[57218]} : فإن قيل : كيف تكون المبدلات خيراً منهن ، ولم يكن على وجه الأرض نساء خيراً من أمهات المؤمنين ؟ .
فالجواب : إذا طلقهن الرسول - عليه الصلاة والسلام - لعصيانهن له ، وإيذائهن إياه كان غيرهن من الموصوف بهذه الصفات مع الطاعة للرسول صلى الله عليه وسلم خيراً منهن .
فإن قيل : قوله : { مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ } يوهم التَّكرارَ ؛ لأن المسلمات والمؤمنات سواء ؟ فالجواب{[57219]} : الإسلام هو التصديق باللسان ، والإيمان التصديق بالقلب ، وقد لا يجتمعان فقوله { مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ } تحقيقاً لاجتماعهما .
قوله : { ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً } .
إنما توسطت الواو بين ثيبات وأبكاراً لتنافي الوصف دون سائر الصفات .
و «ثَيِّباتٍ » ونحوه لا ينقاس ؛ لأنه اسم جنس مؤنث ، فلا يقال : نساء حورات ، ولا رأيت عينات .
و «الثَّيِّبُ » وزنها «فَيعِل » من «ثاب يثوب » أي : رجع ، كأنها ثابت بعد زوال عذرتها .
وأصله : «ثَيْوب » ك «سيِّد وميِّت » أصلهما : «سَيْود ومَيْوت » على الإعلال المشهور .
والمعنى : منهن ثيّب ، ومنهن بِكْر .
قيل : إنما سميت ثيِّباً ؛ لأنها راجعة إلى زوجها إن أقام معها ، وإلى غيره إن فارقها .
وقيل : لأنها ثابت إلى بيت أبويها .
قال القرطبي{[57220]} : «والأول أصح ؛ لأن ليس كل ثيب تعود إلى زوج ، وأما البكر : فهي العذراء ، سميت بكراً ؛ لأنها على أول حالتها التي خلقت بها » .
قال ابن الخطيب{[57221]} : فإن قيل : ذكر الثيبات في مقام المدحِ ، وهي من جملة ما يقل رغبة الرجال فيهن ؟ .
فالجوابُ : يمكن أن يكون بعض الثيبات خيراً بالنسبة إلى البعض من الأبكار عند الرسول - عليه الصلاة والسلام - لاختصاصهن بالمال ، والجمال ، أو النسب ، أو المجموع ، وإذا كان كذلك ، فلا يقدح ذكر الثَّيِّب في المدح ، لجواز ذلك .
وقال الكلبيُّ : أراد بالثيِّب مثل : آسية امرأة فرعون ، وبالبكر مثل : مريم ابنة عمران{[57222]} .
قال القرطبيُّ{[57223]} : «وهذا إنما يمشي على قول من قال : إن التبديل وعد من الله لنبيه لو طلقهن في الدنيا زوجه في الآخرة خيراً منهن ، والله أعلم » .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.