النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{عَسَىٰ رَبُّهُۥٓ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبۡدِلَهُۥٓ أَزۡوَٰجًا خَيۡرٗا مِّنكُنَّ مُسۡلِمَٰتٖ مُّؤۡمِنَٰتٖ قَٰنِتَٰتٖ تَـٰٓئِبَٰتٍ عَٰبِدَٰتٖ سَـٰٓئِحَٰتٖ ثَيِّبَٰتٖ وَأَبۡكَارٗا} (5)

{ عَسى ربُّه إن طَلّقكُنّ أَن يُبدِلَه أَزْواجاً خيراً مِنكُنَّ } أما نساؤه فخير نساء الأمَّة .

وفي قوله { خَيْراً منكُنَّ } ثلاثة أوجه :

أحدها : يعني أطوع منكن .

والثاني : أحب إليه منكن .

والثالث : خيراً منكن في الدنيا ، قاله السدي .

{ مَسْلِماتٍ } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : يعني مخلصات ، قاله ابن جبير ونرى ألا يستبيح الرسول إلا مسلمة .

الثاني : يقمن الصلاة ويؤتين الزكاة كثيراً ، قاله السدي .

الثالث : معناه مسلمات لأمر اللَّه وأمر رسوله ، حكاه ابن كامل .

{ مؤمناتٍ } يعني مصدقات بما أُمرْن به ونُهين عنه .

{ قانتاتٍ } فيه وجهان :

أحدهما : مطيعات .

الثاني : راجعات عما يكرهه اللَّه إلى ما يحبه .

{ تائباتٍ } فيه وجهان :

أحدهما : من الذنوب ، قاله السدي .

الثاني : راجعات لأمر الرسول تاركات لمحاب أنفسهن .

{ عابداتٍ } فيه وجهان :

أحدهما : عابدات للَّه ، قاله السدي .

الثاني : متذللات للرسول بالطاعة ، ومنه أخذ اسم العبد لتذلله ، قاله ابن بحر .

{ سائحاتٍ } فيه وجهان :

أحدهما : صائمات ، قاله ابن عباس والحسن وابن جبير .

قال ابن قتيبة : سمي الصائم سائحاً لأنه كالسائح في السفر بغير زاد .

وقال الزهري{[3019]} : قيل للصائم سائح لأن الذي كان يسيح في الأرض متعبداً لا زاد معه كان ممسكاً عن الأكل ، والصائم يمسك عن الأكل ، فلهذه المشابهة سمي الصائم سائحاً ، وإن أصل السياحة الاستمرار على الذهاب في الأرض كالماء الذي يسيح ، والصائم مستمر على فعل الطاعة وترك المشتهى ، وهو الأكل والشرب والوقاع .

وعندي فيه وجه آخر وهو أن الإنسان إذا امتنع عن الأكل والشرب والوقاع وسد على نفسه أبواب الشهوات انفتحت عليه أبواب الحكم وتجلت له أنوار المتنقلين من مقام إلى مقام ومن درجة إلى درجة فتحصل له سياحة في عالم الروحانيات .

الثاني : مهاجرات لأنهن بسفر الهجرة سائحات ، قاله زيد بن أسلم .

{ ثَيّباتٍ وأبْكاراً } أما الثيب فإنما سميت بذلك لأنها راجعة إلى زوجها إن أقام معها ، أو إلى غيره إن فارقها ، وقيل لأنها ثابَتْ إلى بيت أبويها ، وهذا أصح لأنه ليس كل ثيّب تعود إلى زوج .

وأما البكر فهي العذراء سميت بكراً لأنها على أول حالتها التي خلقت بها .

قال الكلبي : أراد بالثيب مثل آسية امرأة فرعون ، والبكر مثل مريم بنت عمران .

روى خداش عن حميد عن أنس قال عمر بن الخطاب : وافقت ربي في ثلاث ، قلت : يا رسول اللَّه لو اتخذت مقام إبراهيم مصلى ، وقلت : يا رسول اللَّه إنك يدخل إليك البرُّ والفاجر فلو حجبت أمهات المؤمنين ، فأنزل اللَّه آية الحجاب ، وبلغني عن أمهات المؤمنين شىء [ فدخلت{[3020]} عليهن فقلت ] : لتَكُفُّنّ عن رسول اللَّه أو ليبدلنه اللًَّه أزواجاً خيراً منكن حتى دخلت على إحدى أمهات المؤمنين فقالت : يا عمر أما في رسول اللَّه ما يعظ نساءه حتى تعظهن أنت ، فأمسكت فأنزل اللَّه تعالى : { عسى ربُّه إن طلّقكنّ } الآية .


[3019]:من هنا إلى قوله: الثاني- مهاجرات، كتب في الهامش، ولم يتضح ما إذا كان ملحقا بكلام المؤلف. لكن لم يسبق لهذا الناسخ أن كتب على هذه المخطوطات تعليقات مما يرجح أنه تكملة لكلام المؤلف والله أعلم.
[3020]:في ك جاء مكان العبارة كلمتان مطموستان وقد أخذنا العبارة من جامع الأصول 8/621 وهذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم وهو في البخاري "1/ 423 وفي مسلم رقم 2399 في فضائل عمر. وفي رواياته اختلاف يسير.