ولما كان أشد ما على المرأة أن تطلق ، ثم إذا طلقت أن يستبدل بها ، ثم يكون البدل خيراً منها قال تعالى محذراً لهن :
{ عسى ربه } أي : المحسن إليه بجميع أنواع الإحسان التي عرفتموها ، وما لم تعرفوه منها أكثر جدير وحقيق ووسط بين عسى وخبرها اهتماماً وتخويفاً قوله تعالى : { إن طلقكن } أي : بنفسه من غير اعتراض عليه جميعكن أو بعضكن .
قيل : كل عسى في القرآن واجب إلا هذه الآية ، وقيل : هو واجب ولكن الله تعالى علقه بشرط ، وهو التطليق ولم يطلقهن فإن طلقكن شرط معترض بين اسم عسى وخبرها وجوابه محذوف أو متقدم أي : إن طلقكن فعسى ربه وقوله تعالى { أن يبدله } أي : بمجرد طلاقه . وقرأ نافع وأبو عمرو بفتح الباء وتشديد الدال ، والباقون بسكون الموحدة وتخفيف الدال . { أزواجاً خيراً منكن } خبر عسى ، والجملة جواب الشرط ولم يقع التبدل لعدم وجود الشرط .
فإن قيل : كيف تكون المبدلات خيراً منهن ولم يكن على وجه الأرض نساء خيراً منهن لأنهن أمهات المؤمنين ؟ أجيب : بأنه إذا طلقهن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعصيانهن وإيذائهن إياه كان غيرهن من الموصوف بالصفات الآتية مع الطاعة له صلى الله عليه وسلم خيراً ، أو أن هذه على سبيل الفرض وهو عام في الدنيا والآخرة ، فلا يقتضي وجود من هو خير منهن مطلقاً .
وإن قيل : بوجوده في خديجة لما جرب من تحاملها على نفسها في حقه صلى الله عليه وسلم وبلوغها في حبه والأدب معه ظاهراً وباطناً الغاية القصوى ، ومريم أحسنت حين كانت من القانتين فذلك في الآخرة ، وتعليق تطليق الكل لا يدل على أنه لم يطلق حفصة . فقد روي أنه طلقها ولم يزدها ذلك إلا فضلاً لأن الله تعالى أمره أن يراجعها ، لأنها صوامة قوامة .
ثم بين تعالى الخيرية بقوله تعالى : { مسلمات } إلى أخره ، وهو إما نعت ، أو حال ، أو منصوب على الاختصاص . قال سعيد بن جبير : مسلمات يعني مخلصات ، وقيل : مسلمات لأمر الله عز وجل وأمر رسول الله خاضعات لله تعالى بالطاعات { مؤمنات } أي : مصدقات بتوحيد الله تعالى ، وقيل : مصدقات بما أمرن به ونهين عنه ، وقيل : مسلمات مقرات بالإسلام مؤمنات مخلصات { قانتات } أي : مطيعات والقنوت الطاعة ، وقيل : داعيات { تائبات } أي : راجعات من الهفوات والزلات سريعاً إن وقع منهن شيء من ذلك ، وقيل : راجعات إلى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم تاركات لمحاب أنفسهن { عابدات } أي : كثيرات العبادات لله تعالى ، وقال ابن عباس : كل عبادة في القرآن فهو التوحيد { سائحات } قال ابن عباس : صائمات ، وقال الحسن : مهاجرات ، وقال ابن زيد : وليس في أمة محمد صلى الله عليه وسلم سياحة إلا الهجرة ، والسياحة الجولان في الأرض ، وقال الفراء وغيره : سمي الصائم سائحاً لأن السائح لا زاد معه فلا يزال ممسكاً إلى أن يجد ما يطعمه ، فشبه به الصائم في إمساكه إلى أن يجيء وقت إفطاره ، وقيل : ذاهبات في طاعة الله تعالى . من ساح الماء إذا ذهب { ثيبات } جمع ثيب ، وهي التي تزوجت ثم بانت بوجه من الوجوه ، أو زالت بكارتها بوطء من غير نكاح { وأبكاراً } أي : عذارى جمع بكر ، وهي ضد الثيب ، وسميت بذلك لأنها على أول حالها التي خلقت بها وقدم الثيبات لأنهن أخبر بالعشرة التي هذا سياقها ، ووسط الواو بين الثيبات والأبكار لتنافي الوصفين دون سائر الصفات .
فإن قيل : كيف ذكر الثيبات في مقام المدح وهن من جملة ما يقل رغبة الرجال فيهن ؟ أجيب : بأنه يمكن أن يكون بعض الثيبات خيراً من كثير من الأبكار لاختصاصهن بالمال والجمال .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.