قوله تعالى :{ وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب } قال سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : يعني كتابنا ، و ( ( القط ) ) الصحيفة التي أحصت كل شيء . قال الكلبي : لما نزلت في الحاقة : { فأما من أوتي كتابه بيمينه } قالوا : عجل لنا كتابنا في الدنيا قبل يوم الحساب . وقال سعيد بن جبير : يعنون حظنا ونصيبنا من الجنة التي تقول . وقال الحسن ، وقتادة ، ومجاهد ، والسدي : يعني عقوبتنا ونصيبنا من العذاب . وقال عطاء : قاله النضر بن الحارث ، وهو قوله : { اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء } وعن مجاهد قال : قطنا حسابنا ، يقال لكتاب الحساب قط . وقال أبو عبيدة و الكسائي : ( ( القط ) ) : الكتاب بالجوائز .
ثم ختم - سبحانه - هذه الآيات الكريمة ، ببيان ما جبل عليه هؤلاء المشركون من جهالات وسفاهات ، حيث تعجلوا العقاب قبل وقوعه بهم ، فقال - تعالى - : { وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الحساب } .
والقطُّ : النصيب والقطعة من الشئ . مأخوذ من قط الشئ إذا قطعه وفصله عن غيره . فهم قد أطلقوا القطعة من العذاب على عذابهم ، باعتبار أنها مقتطعة من العذاب الكلى المعد لهم ولغيرهم .
أى : وقال هؤلاء المشركون الجاهلون يا ربنا { عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا } أى عجل لنا نصيبنا من العذاب الذى توعدتنا به ، ولا تؤخره إلى يوم الحساب .
وتصدير دعائهم بنداء الله - تعالى - بصفة الربوبية ، يشعر بشدة استهزائهم بهذا العذاب الذى توعدهم الله - تعالى - به على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم .
ونسب - سبحانه - القول إليهم جميعا من أن القائل هو النضر بن الحارث ، أو أبو جهل . . لأنهم قد رضوا بهذا القول ، ولم يعترضوا على قائله .
وقيل المراد بقوله - تعالى - : { عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا . . } أى : صحائف أعمالنا لننظر فيها قبل يوم الحساب .
وقيل المراد به : نصيبهم من الجنة أى : عجل لنا نصيبنا من الجنة التى وعد رسولك بها أتباعه ، وأعطنا هذا النصيب فى الدنيا قبل يوم الحساب لأننا لا نؤمن بوقوعه .
وعلى جميع الأقوال ، فالمراد بيان أنهم قوم قد بلغ بهم التطاول والغرور منتهاه ، حيث استهزءوا بيوم الحساب ، وطلبوا تعجيل نزول العذاب بهم فى الدنيا ، بعد أن سمعوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن عقوبتهم مؤجلة إلى الآخرة .
قال - تعالى - : { وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } وقال - سبحانه - : { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب وَلَن يُخْلِفَ الله وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ }
وقوله : وَقالُوا رَبّنا عَجّلْ لَنا قِطّنا قَبْلَ يوْم الحِسابِ يقول تعالى ذكره : وقال هؤلاء المشركون بالله من قريش : يا ربنا عجل لنا كتبنا قبل يوم القيامة . والقِطّ في كلام العرب : الصحيفة المكتوبة ومنه قول الأعشى :
وَلا المَلِكُ النّعْمانُ يَوْمَ لَقِيتُهُ *** بنِعْمَتِهِ يُعْطِي القُطُوطَ ويَأْفِقُ
يعني بالقُطوط : جمع القِط ، وهي الكتب بالجوائز .
واختلف أهل التأويل في المعنى الذي أراد هؤلاء المشركون بمسألتهم ربهم تعجيل القطّ لهم ، فقال بعضهم : إنما سألوا ربهم تعجيل حظهم من العذاب الذي أعدّ لهم في الاَخرة في الدنيا ، كما قال بعضهم : إنْ كانَ هَذَا هُوَ الحَقّ مِنْ عِنْدِكَ فَأمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السّماءِ أو أئْتِنا بَعَذَابٍ ألِيمٍ . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : رَبّنا عَجّلْ لَنا قِطّنا يقول : العذاب .
حدثني محمد بن سعيد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَقالُوا رَبّنا عَجّلْ لنَا قِطّنا يَوْمَ الحِسابِ قال : سألوا الله أن يعجل لهم العذاب قبل يوم القيامة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزّة ، عن مجاهد ، في قوله : عَجّلْ لنَا قِطّنا قال : عذابنا .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : عَجّلْ لنَا قِطّنا قال : عذابنا .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَقالُوا رَبّنا عَجّلْ لَنا قِطّنا قَبْلَ يَوْمِ الحِسابِ : أي نصيبنا حظنا من العذاب قبل يوم القيامة ، قال : قد قال ذلك أبو جهل : اللهمّ إن كان ما يقول محمد حقا فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السّماءِ . . . الاَية .
وقال آخرون : بل إنما سألوا ربهم تعجيل أنصبائهم ومنازلهم من الجنة حتى يروها فيعلموا حقيقة ما يعدهم محمد صلى الله عليه وسلم فيؤمنوا حينئذٍ به ويصدّقوه . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : عَجّلْ لنَا قِطّنا قالوا : أرنا منازلنا في الجنة حتى نتابعك .
وقال آخرون : مسألتهم نصيبهم من الجنة ، ولكنهم سألوا تعجيله لهم في الدنيا . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن ثابت الحدّاد ، قال : سمعت سعيد بن جُبَير يقول في قوله : عَجّلْ لنَا قِطّنا قَبْلَ يَوْمِ الحِسابِ قال : نصيبنا من الجنة .
وقال آخرون : بل سألوا ربهم تعجيل الرزق . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمر بن عليّ ، قال : حدثنا أشعث السجستاني ، قال : حدثنا شعبة ، عن إسماعيل بن أبي خالد في قوله : عَجّلْ لنَا قِطّنا قال : رزقنا .
وقال آخرون : سألوا أن يعجل لهم كتبهم التي قال الله فأمّا مَنْ أوتِيَ كِتابَهُ بيَمِينِهِ . وَأمّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمالِهِ في الدنيا ، لينظروا بأيمانهم يُعْطَوْنها أم بشمائلهم ؟ ولينظروا مِن أهل الجنة هم ، أم من أهل النار قبل يوم القيامة استهزاء منهم بالقرآن وبوعد الله .
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال : إن القوم سألوا ربهم تعجيل صكاكهم بحظوظهم من الخير أو الشرّ الذي وعد الله عباده أن يؤتيهموها في الاَخرة قبل يوم القيامة في الدنيا استهزاء بوعيد الله .
وإنما قلنا إن ذلك كذلك ، لأن القطّ هو ما وصفت من الكتب بالجوائز والحظوظ ، وقد أخبر الله عن هؤلاء المشركين أنهم سألوه تعجيل ذلك لهم ، ثم أتبع ذلك قوله لنبيه : اصْبِرْ على ما يَقُولُونَ فكان معلوما بذلك أن مسألتهم ما سألوا النبيّ صلى الله عليه وسلم لو لم تكن على وجه الاستهزاء منهم لم يكن بالذي يتبع الأمر بالصبر عليه ، ولكن لما كان ذلك استهزاء ، وكان فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أذى ، أمره الله بالصبر عليه حتى يأتيه قضاؤه فيهم ، ولما لم يكن في قوله : عَجّلْ لنَا قِطّنا بيان أيّ القطوط إرادتهم ، لم يكن لما توجيه ذلك إلى أنه معنيّ به القُطوط ببعض معاني الخير أو الشرّ ، فلذلك قلنا إن مسألتهم كانت بما ذكرت من حظوظهم من الخير والشرّ .