اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبۡلَ يَوۡمِ ٱلۡحِسَابِ} (16)

قوله : { قِطَّنَا } أن نَصِيبَنَا وحَظَّنَا ، وأصله من قَطَّ الشيءَ أي قَطَعَهُ ، ومنه قَطّ القلم والمعنى قطعه مما وعدتنا به ولهذا يطلق على الصحيفة والصك قِطّ ، لأنهما قطعتان يقطعان ، ويقال للجائزة أيضاً قِطّ لأنها قطعة من العطية ، قال الأعشى :

وَلاَ الْمَلِكُ النُّعْمَان يَوْمَ لَقِيتُهُ*** بِغِبْطِتِهِ يُعْطِي القُطُوطَ وَيَأفِقُ

وأكثر استعماله في الكتاب ، قال أمية بن أبي الصّلت :

قَوْمٌ لَهُمْ سَاحَةُ أَرْضِ العِرَاقِ وَمَا*** يَجْبِى إَليْهِمْ بِهَا وَالقِطُّ وَالْقَلَم

ويجمع على قُطُوط كما تقدم ، وعلى قِطَطَةٍ نحو : قِرْد وقِرَدَةٍ وقُرُود ، وفي القلة على أَقِطَّةٍ وأَقْطَاطٍ ، كقِدْح وأَقْدِحَةٍ وأَقْدَاحٍ ، إلا أن أفْعِلَةً في فِعْلٍ شاذ .

فصل :

قال سعيد بن جبير عن ابن عباس يعني كتابنا . والقِطّ : الصحيفة أحصت كل شيء ، قال الكلبي : لما نزل قوله في الحاقة : { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ } ، { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ } [ الحاقة : 19-25 ] قالوا استهزاء : عجل لنا كتابنا في الدنيا قبل يوم الحساب ، وقال سعيد بن جبير : يعنون حظنا ونصيبنا من الجنة التي تقول . وقال الحسن وقتادة ومجاهد والسدي : يعني عقوبتنا ونصيبنا من العذاب قال عطاء : قاله النَّضْر بن الحَرث وهو قوله : { إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمآء } [ الأنفال : 32 ] وعن مجاهد قطنا : حسابنا يقال للكتاب قط .

قال أبو عبيدة والكسائي : القط الكتابة بالجوائز . واعلم أن القوم تعجبوا من أمور ثلاثة ، أولها : من أمر النبوات وإثباتها فقال : وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ ، فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ " .

وثانيها : تعجبهم من الإلهيات فقالوا : أَجَعَلَ الآلهةَ إلهاً وَاحِداً . وثالثها : تعجبهم من المعاد والحشر والنشر فقالوا : { رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الحساب } قالوا ذلك استهزاء فأمره الله تعالى بالصبر على سفاهتهم فقال : { اصبر على مَا يَقُولُونَ } .