{ إلا بلاغاً من الله ورسالاته } ففيه الجوار والأمن والنجاة ، قاله الحسن . قال مقاتل : ذلك الذي يجيرني من عذاب الله ، يعني التبليغ . وقال قتادة : إلا بلاغاً من الله فذلك الذي أملكه بعون الله وتوفيقه . وقيل : لا أملك لكم ضراً ولا رشداً لكن أبلغ بلاغاً من الله فإنما أنا مرسل لا أملك إلا ما ملكت ، { ومن يعص الله ورسوله } ولم يؤمن ، { فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداً . }
وقوله - سبحانه - : { إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ الله وَرِسَالاَتِهِ . . . } استثناء من مفعول { لاَ أَمْلِكُ } ، وهما قوله قبل ذلك : { لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ رَشَداً } وما يليهما اعتراض مؤكد لنفى الاستطاعة . أى : قل لهم - أيها الرسول الكريم - إنى لا أملك ما يضركم ولا أملك ما ينفعكم ، وإنما الذى أملكه هو تبليغ رسالات ربى إليكم ، بأمانة واجتهاد .
والبلاغ : مصدر بلَّغ ، وهو إيصال الكلام أو الحديث إلى الغير ، ويطلق على الكلام المبلغ من إطلاق المصدر على المفعول ، مثل : " هذا خلق الله " ، و " من " ابتدائية صفة لقوله : " بلاغا " أى : بلاغا كائنا من جهة الله - تعالى - وأمره . والرسالات : جمع رسالة ، وهى ما يرسل إلى الغير من كلام أو كتاب . والمراد بها هنا : تبليغ ما أوحاه الله - تعالى - إلى نبيه للناس .
قال الآلوسى ما ملخصه وقوله : { إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ الله . . . } استثناء من مفعول لا أملك . . وما بينهما اعتراض . . فإن كان المعنى : لا أملك أن أضركم ولا أن أنفعكم ، كان استثناء متصلا ، كأنه قيل : لا أملك شيئا إلا بلاغا ، وإن كان المعنى : لا أملك أن أقسركم على الغى والرشد ، كان منقطعا ، أو من باب : لا عيب فيهم غير أن سيوفنا . . أى : أنه من أسلوب تأكيد الشئ بما يشبه ضده ، وقوله { وَرِسَالاَتِهِ } عطف على قوله { بَلاَغاً } وقوله : { مِّنَ الله } متعلق بمحذوف وقع صفه له . أى : بلاغا كائنا من الله . .
ثم بين - سبحانه - بعد ذلك سوء عاقبة من يخالف أمره فقال : { وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ } فيما أمرا به ، أو نهيا عنه .
{ فَإِنَّ لَهُ } أى : لهذا العاصى { نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } أى : فحكمه أن له نار جهنم ، وجمع - سبحانه - خالدين باعتبار معنى " من " ، كما أن الإِفراد فى قوله { فَإِنَّ لَهُ } باعتبار لفظها .
وقوله : " أبدا " مؤكد لمعنى الخلود . أى : خالدين فيها خلودا أبديا لا نهاية له .
القول في تأويل قوله تعالى : { إِلاّ بَلاَغاً مّنَ اللّهِ وَرِسَالاَتِهِ وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنّ لَهُ نَارَ جَهَنّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً * حَتّىَ إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلّ عَدَداً } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل لمشركي العرب : إني لا أملك لكم ضرّا ولا رشدا إلاّ بَلاغا مِنَ اللّهِ وَرِسالاتِهِ يقول : إلاّ أن أبلغكم من الله ما أمرني بتبليغكم إياه ، وإلا رسالاته التي أرسلني بها إليكم فأما الرشد والخذلان ، فبيد الله ، هو مالكه دون سائر خلقه يهدى من يشاء ويخذل من أراد . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إلاّ بَلاغا مِنَ اللّهِ وَرِسالاتِهِ فذلك الذي أملك بلاغا من الله ورسالاته .
وقد يحتمل ذلك معنى آخر ، وهو أن تكون «إلا » حرفين ، وتكون «لا » منقطعة من «إن » فيكون معنى الكلام : قل إني لن يجيرني من الله أحد إن لم أبلغ رسالاته ويكون نصب البلاغ من إضمار فعل من الجزاء كقول القائل : إن لا قياما فقعودا ، وإن لا إعطاء فردّا جميلاً ، بمعنى : إن لا تفعل الإعطاء فردّا جميلاً .
وقوله : وَمَنْ يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فإنّ لَهُ نارَ جَهَنّمَ يقول تعالى ذكره : ومن يعص الله فيما أمره ونهاه ، ويكذّب به ورسوله ، فجحد رسالاته ، فإن له نار جهنم يصلاها خالِدِينَ فِيها أبَدا يقول : ماكثين فيها أبدا إلى غير نهاية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.