الآية 23 : قوله تعالى : { إلا بلاغا من الله ورسالاته }استثناء من قوله : { قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا }{ إلا بلاغا من الله } أي إني لا أملك لكم هدايتكم وإضلالكم إلا ما كلفت لأجلكم من تبليغ الرسالة .
ومنهم من جعل هذا استثناء من قوله : { قل إني لن يجيرني من الله أحد }إن عدلت عن أمره ، ولم{[22348]} أبلغ الرسالة ، فلا يجيرني من عذابه إلا أن أبلغ الرسالة . قال الله تعالى : { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته }[ المائدة : 67 ] وقال : { فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم }[ النور : 54 ] لأنه لا يجوز أن تقع له الحاجة[ إلى الإجارة ]{[22349]} من عذاب الله ، ولم يلح{[22350]} منه تقصير ولا تضييع ، يستوجب به العقاب ، فلا بد من أن يمكن فيه ما ذكرنا من التقصير في التبليغ والعدول عمّا كلف حتى يستقيم ذكر الإجارة فيه .
وذكر أبو معاذ صاحب التفسير أن الاستثناء راجع إلى قوله : { قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا } [ الجم : 21 ] ليس إلى قوله : { قل إني لن يجيرني من الله أحد }[ الجن : 22 ] واستدل على ذلك بقراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقرأ : قل إني لا أملك لكم غيا ولا رشدا إلا بلاغا من الله .
وليس في ما ذكرنا قطع الاستثناء على قوله : { قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا } للوجه الذي ذكر . ولأن أكثر أهل التأويل أجمعوا على صرف الاستثناء إلى قوله : { قل إني لن يجيرني من الله أحد } فلا يجوز أن يحمل قولهم على الخطإ لما ذكره أبو معاذ . ولما ذهبوا إليه وجه الصحة والسداد .
وجائز أن يكون البلاغ والرسالة واحدا ، فيكون الذي يبلغ{ بلاغا من الله ورسالاته } ويكون ذلك على التكرار ، وهو كقوله : { ويعلمه الكتاب والحكمة }[ آل عمران : 48 ] قيل : إنهما واحد .
وجائز أن تكون الرسالة نفس ما أنزل الله ، وهو الكتاب ، والبلاغ ما أودع فيه من الحكمة والمعاني .
وكذلك قيل في قوله تعالى : { ويعلمه الكتاب والحكمة } فالكتاب هو المنزل نفسه ، والحكمة ما تضمن فيه من المعاني .
وجائز أن يكون البلاغ من الله تعالى منصرفا إلى حكمه ورسالاته إلى خبره{[22351]} ، أو تكون رسالاته حكمه والبلاغ خبره ، وهو كقوله تعالى : { وتمت كلمات ربك صدقا } أخباره{ وعدلا }[ الأنعام : 115 ] أو{ بلاغا من الله } حق الله عليهم{ ورسالاته } بما به مصالحهم ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { ولن أجد من دونه ملتحدا } قالوا : لا ملجأ ومآل وموضع ، يمال إليه ، والالتحاد الإمالة ، سمّي اللحد لحدا من هذه لأنه يمال عن سننه .
وقوله تعالى : { ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا }كقوله{[22352]} في موضع آخر : { إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة }[ الأحزاب : 57 ] وقوله{[22353]} : { ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا }[ الأحزاب : 36 ] وكل من ارتكب المآثم فقد دخل في حد العصيان وإيذاء الرسول .
ولكن المراد ههنا : من يعتقد عصيان الرسول وأذاه لأن الله تعالى أضاف الأذى والعصيان إلى نفسه ، ولا أحد يقصد قصد أذى الله تعالى ، والله عز وجل لا يؤذى ، ولكن أضاف أذى الرسول وعصيانه إلى نفسه ، وقد كانوا يعتقدون عصيانه وأذاه ، فجعل عصيانهم وأذاهم لرسوله أذى منهم لله تعالى وعصيانا له ، فثبت أن هذا في الاعتقاد .
وقال عز وجل : { من يطع الرسول فقد أطاع الله }[ النساء : 80 ] وقال : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم }[ النساء : 65 ] فجعل طاعة الرسول طاعة له وعصيان رسوله عصيانا له ، ولأنه ذكر العصيان على [ إثر ]{[22354]} تبليغ الرسالة ثبت{[22355]} أن العصيان ههنا في ترك القبول بما أنزل على الرسول وفي اعتقاد العصيان له .
وروي عن أبي حنيفة ، رحمه الله ، أنه قال : من آمن بالله تعالى ، ولم يؤمن برسوله فهو ليس بمؤمن لأن جهله بالله تعالى ، هو الذي حمله على تكذيب الرسول ، لأن الرسول ليس يدعو إلا إلى ما يقربه إلى الله تعالى وإلى ما ينجيه من عذابه . فلو كان يحب الله تعالى ، ويؤمن به ، لكان يدعوه ذلك إلى حب الرسول وإلى طاعته . فثبت أن المكذب للرسول جاهل بربه ، والمطيع له مطيع لله عز وجل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.