المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أَوَكُلَّمَا عَٰهَدُواْ عَهۡدٗا نَّبَذَهُۥ فَرِيقٞ مِّنۡهُمۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (100)

100- وكما تذبذبوا في العقيدة والإيمان ، تذبذبوا كذلك فيما يبرمونه من عهود ، فكانوا كلما عاهدوا المسلمين وغيرهم عهداً نبذه فريق منهم . لأن معظمهم لا يؤمن بحرمة عهد ولا بقداسة ميثاق .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَوَكُلَّمَا عَٰهَدُواْ عَهۡدٗا نَّبَذَهُۥ فَرِيقٞ مِّنۡهُمۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (100)

{ أو كلما عاهدوا عهدا } الهمزة للإنكار ، والواو للعطف على محذوف تقديره أكفروا بالآيات وكلما عاهدوا ، وقرئ بسكون الواو على أن التقدير إلا الذين فسقوا ، { أو كلما عاهدوا } ، وقرئ " عوهدوا " و " عهدوا " { نبذه فريق منهم } نقضه ، وأصل النبذ الطرح ، لكنه يغلب فيما ينسى ، وإنما قال فريق لأن بعضهم لم ينقض { بل أكثرهم لا يؤمنون } رد لما يتوهم من أن الفريق هم الأقلون ، أو أن من لم ينبذ جهارا فهم مؤمنون به خفاء .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَوَكُلَّمَا عَٰهَدُواْ عَهۡدٗا نَّبَذَهُۥ فَرِيقٞ مِّنۡهُمۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (100)

{ أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } ( 100 )

قال سيبويه : الواو واو العطف دخلت عليها ألف الاستفهام( {[1006]} ) ، وقال الأخفش : هي زائدة ، وقال الكسائي : هي «أو » وفتحت تسهيلاً ، وقرأها قوم «أوْ » ساكنة الواو فتجيء بمعنى بل( {[1007]} ) ، وكما يقول القائل : لأضربنك فيقول المجيب : أوْ يكفي الله( {[1008]} ) .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : وهذا كله متكلف ، واو في هذا المثل متمكنة في التقسيم ، والصحيح قول سيبويه وقرىء «عهدوا عهداً » وقرأ الحسن وأبو رجاء «عوهدوا » و { عهداً } مصدر ، وقيل : مفعول بمعنى أعطوا عهداً ، والنبذ : الطرح والإلقاء ، ومنه النبيذ والمنبوذ ، والفريق اسم جمع لا واحد له من لفظه ، ويقع على اليسير والكثير من الجمع ، ولذلك فسرت كثرة النابذين بقوله : { بل أكثرهم } لما احتمل الفريق أن يكون الأقل( {[1009]} ) ، و { لا يؤمنون } في هذا التأويل حال من الضمير في { أكثرهم } ، ويحتمل الضمير العود على الفريق ، ويحتمل العود على جميع بني إسرائيل وهو أذم( {[1010]} ) لهم ، والعهد الذي نبذوه هو ما أخذ عليهم في التوراة من أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، وفي مصحف ابن مسعود «نقضه فريق »( {[1011]} ) .


[1006]:- أي كما دخلت على الفاء في نحو: (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم)، وعلى ثم في نحو: (أثم إذا ما وقع) الآية. والتقدير هنا: (أكفروا بالآيات البينات، وكلما عاهدوا؟) الخ، أو (أينكرون فسقهم وكلما عاهدوا عهدا؟) الخ. والاستفهام إنكاري. وهذا هو الصحيح في مثل هذا التركيب.
[1007]:- دل على كونها بمعنى (بل) ما بعدها، وهو قوله تعالى: (بل أكثرهم لا يؤمنون)، ترقيا إلا الأغلظ فالأغلظ.
[1008]:- يأتي على الأثر أن أو في هذا المثال متمكنة في التقسيم وهو كذلك، فهي ليست كما في الآية، والله أعلم.
[1009]:- يعني أن الفريق يقع على القليل والكثير، ولما احتمل أن يكون النابذون للعهد أقلية بين ذلك بقوله تعالى: [بل أكثرهم لا يؤمنون]، فكان النابذون للعهد هم الأكثر، وكان النقض لعهد الله كفرا.
[1010]:- أي أشد وأكثر ذما لهم، من عوده على الفريق.
[1011]:- هي قراءة مخالفة لسواد المصحف، فالأولى حملها على التفسير. قاله أبو (ح).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَوَكُلَّمَا عَٰهَدُواْ عَهۡدٗا نَّبَذَهُۥ فَرِيقٞ مِّنۡهُمۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (100)

قوله : { أو كلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم } استفهام مستعمل في التوبيخ معطوف على جملة القسم لا على خصوص الجواب وقدمت الهمزة محافظة على صدارتها كما هو شأنها مع حروف العطف . والقول بأن الهمزة للاستفهام عن مقدر محذوف والواوعاطفة ما بعدها على المحذوف علمتم إبطاله عند قوله تعالى : { أفكلما جاءكم رسول } . وتقديم { كلما } تبع لتقديم حرف الاستفهام وقد تقدم توجيهه عند قوله تعالى : { أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم } [ البقرة : 87 ] .

والنبذ إلقاء الشيء من اليد وهو هنا استعارة لنقض العهد شبه إبطال العهد وعدم الوفاء به بطرح شيء كان ممسوكاً باليد كما سموا المحافظة على العهد والوفاء به تمسكاً قال كعب : *ولا تمسك بالوعد الذي وعدت * . والمراد بالعهد عهد التوراة أي ما اشتملت عليه من أخذ العهد على بني إسرائيل بالعمل بما أمروا به أخذاً مكرراً حتى سميت التوراة بالعهد ، وقد تكرر منهم نقض العهد مع أنبيائهم . ومن جملة العهد الذي أخذ عليهم أن يؤموا بالرسول المصدق للتوراة . وأسند النبذ إلى فريق إما باعتبار العصور التي نقضوا فيها العهود كما تؤذن به { كلما } أو احتراساً من شمول الذم للذين آمنوا منهم . وليس المراد أن ذلك الفريق قليل منهم فنبه على أنه أكثرهم بقوله : { بل أكثرهم لا يؤمنون } وهذا من أفانين البلاغة وهو أن يظهر المتكلم أنه يوفي حق خصمه في الجدال فلا ينسب له المذمة إلا بتدرج وتدبر قبل الإبطال .

ولك أن تجعلها للانتقال من شيء إلى ما هو أقوى منه في ذلك الغرض لأن النبذ قد يكون بمعنى عدم العمل دون الكفر والأول أظهر .